القبس الكويتية 

السبت 7 نوفمبر 2009

في أزمة 2007 ـ 2008، تعرض أشكال عديدة ومتباينة من المؤسسات المالية للاخفاق والفشل أو تم انقاذها من خلال تدخل الدولة. وشملت تلك المجموعة المتنوعة، مجموعات مالية كبيرة مثل «سيتي غروب» و «رويال بنك أوف سكوتلند» وبنوك استثمارية مثل بير ستيرنز وليمان. وبنوك صغيرة لخدمات التجزئة دون أن يكون لديها أذرع لأنشطة الصيرفة الاستثمارية، لكنها تملك عمليات نشطة للخزينة مثل نورثن روك وساكسين لاندسبنك. وبنوك متنوعة الأنشطة مثل فورتيس وأخرى متخصصة مثل هايبو آر أي. ومؤسسات حكومية مثل فاني ماي وفريدي ماك. وأكبر شركة أميركية للتأمين ايه آي جي AIG. وسيتحمل دافعو الضرائب قيمة فواتير انقاذ تلك المؤسسات على مدى جيل كامل.

وتجسد جميع تلك الشركات كل أشكال الغطرسة الادارية، كما أن الاخفاق، عند معظمها، جاء نتيجة الخسائر في الأنشطة البعيدة عن جوهر اختصاصها وعملها. وما عدا ذلك، فان ما يجمع بينها قليل. ويرتبط تنوع المؤسسات بتنوع الهيئات الناظمة. فقائمة الأجهزة الحكومية التي تشرف وتراقب الشركات الفاشلة أكبر بكثير من قائمة المؤسسات.

ويعتقد البعض أن تنظيما أفضل ومنسقا على الصعيدين المحلي والعالمي، في المستقبل، سيمنع حدوث مثل تلك الاخفاقات. وأنه سيتم حماية مصالح المستهلكين ومتطلبات الاقتصاد المالية عبر هكذا تدخل منسق كما لن تتكرر أبدا المطالبات الكبيرة ومد اليد إلى الخزانة العامة. بل أن هناك من يعتقد أيضا أن الخنازير يمكن أن تطير. وقد خلق ميرفي كينغ، محافظ بنك انكلترا المركزي لنفسه العديد من الأعداء بالقول أن ذلك لن يحصل أبدا.

فمن المستحيل أن تتمكن الجهات التنظيمية من الحيلولة دون اخفاق الشركات ومن غير المرغوب فيه أن تسعى إلى تحقيق ذلك الهدف. فالديناميكية الأساسية لاقتصاد السوق هو أن الشركات الجيدة تنجح بينما تخفق السيئة منها وتخرج من السوق. ويسود شعور بأن افلاس «ليمان براذرز» شكل انتصارا للرأسمالية وليس اخفاقا لها. فالبنك كان يدار بصورة سيئة ويوظف أناسا جشعين يتلقون أجورا باهظة. فيما الخدمات التي كان يقدمها كانت ذات قيمة اجتماعية هامشية في أحسن الأحوال. وقد دخل البنك في مخاطر فشلت فكان أن أخفق وسقط سقوطا مروعا. وهذه هي الطريقة التي يعمل بها اقتصاد السوق. والمشكلة القائمة في الوقت الراهن هي كيف يمكن تحقيق استقرار أكبر بينما نخلص أنفسنا من التزام يقوم على مفهوم «أكبر من أن يفشل»، وأن نتبنى وجهة نظر واقعية فيما يتعلق بحدود التنظيم. ان «أكبر من أن يفشل» يعرض دافعي الضرائب إلى التزامات غير محدودة وغير منضبطة لا يمكن السيطرة عليها. ومشكلة الخطر الأخلاقي لا تتمثل فقط في أنه يتم تشجيع الدخول في المخاطر ضمن المؤسسات التي هي أكبر من أن تفشل بل يتجسد أيضا في تثبيط رصد ومراقبة المخاطر الخاصة في تلك المؤسسات.

ان الأنظمة المترابطة التي هي غاية في التعقيد والتي يشكل فشلها خطرا كبيرا ليست بالأمر الفريد والمحصور على الخدمات المالية. فالاخفاق يمكن أيضا تكون له تبعات كارثية في شبكات الكهرباء ومصافي النفط والمجمعات البتروكيماوية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية التي تستخدم الطاقة النووية. لذلك ينبغي التعامل مع عملية الترابط من خلال بناء أنظمة قوية. واذا كان من شأن اخفاق مكون فردي أن يتسبب في تدمير النظام ككل، فانه لابد من اعادة بناء الأنظمة للقضاء على المشكلة.

والمفارقة هنا هو أن كل مؤسسة مالية لديها اجراءات مفصلة للتعامل مع الفشل التكنولوجي، لكن أيا من تلك المؤسسات أو حتى النظام المالي ككل، ليس لديه اجراءات خاصة بالفشل التنظيمي. وبالتالي فنحن بحاجة إلى تحقيق ذلك من خلال اقامة حواجز فاصلة بين الأنشطة ضمن الشركات، وعبر القطاعات لمنع انتشار النيران، وكذلك من خلال تجزئة المؤسسات الكبيرة إلى أجزاء بحيث لا تؤدي مشكلة في عنصر منفرد إلى تدمير النظام برمته.

ان أفضل طريقة لحماية الاقتصاد الحقيقي، وفي الوقت ذاته حماية الخزينة العامة، هو ضمان تنظيم الخدمات المالية الأساسية التي تخدم الأفراد والشركات، مع رفض تقديم الضمانات للدخول في المخاطر.

ويجادل البعض، في امكانية تحقيق ذلك من خلال وضع متطلبات أعلى لرأس المال و«الوصايا الحية». واذا كانت هذه المتطلبات قاسية بصورة كافية، فانها يمكن أن تحقق النتائج ذاتها التي يحققها الفصل المتضمن في النشاط المصرفي الضيق، لأنها ستؤدي إلى الشيء ذاته. كما أن متطلبات رأس المال لا يجب أن تكون عالية وحسب، بل أكثر علوا. في حين أن «وصية حية» فعالة يمكن أن تحتاج إلى اقامة حاجز يحيط بعمليات التجزئة والأصول لتمكين جهة الاشراف الاداري من الاستيلاء عليها بسلاسة خلال الأزمة.

ولأن أنشطتها مضمونة بضمانات حكومية، ضمنية وصريحة، يتعاظم مبدأ « العمل كالمعتاد» لدى البنوك العملاقة. ويبدو السياسيون الذين توظفهم للدفاع عنها، على نحو متزايد، وكأنهم الناطقون باسمها، ويتبنون وجهة النظر الرجعية القائلة أن الأزمة كان سببها سوء التنظيم. وهذا أمر غير صحيح. أن سبب الأزمة هم المصرفيون الجشعون والحمقى الذين أخفقوا في السيطرة على أنشطة لم يفهموها. ومع أن المنظمين يمكن أن يكونوا على خطأ بسبب عدم تصرفهم بقوة كافية، الا أن الادعاء بأنهم هم من تسببوا بالأزمة ادعاء يثير الضحك، وهو كالادعاء بأن سبب الجريمة هو تراخي الشرطة.

ان محافظ بنك انكلترا هو واحد من قلة من المسؤولين الحكوميين الذين استوعبوا أن الهدف الأساسي من التنظيم هو حماية الناس، بصفتهم دافعي ضرائب ومستخدمين للخدمات المالية، وليس لتشجيع والترويج لمصالح صناعة الخدمات المالية.

وحين تقع الأزمة المقبلة، وهو ما سيحدث لا محالة، فان ذلك الجمهور المحبط سينقلب على الأرجح ليس على السياسيين الذين أسرفوا في هدر المال العام وباهمال، أو على المصرفيين وحسب، بل على نظام السوق برمته. فما هو على المحك الآن قد لا يكون مستقبل التمويل وحسب، بل مستقبل الرأسمالية.

جون كاي

خلاصة

مستقبل الرأسمالية في خطر.. فالأزمة المقبلة ستثير حفيظة جمهور محبط من النظام برمته بعد أن تحول السياسيون إلى ناطقين باسم مصرفيين جشعين، وفشل المنظمون في حمايتهم وتنظيم الخدمات المالية الأساسية التي تخدم الأفراد والشركات، ورفض تقديم الضمانات للدخول في المخاطر. كما ينبغي التخلص من مفهوم «أكبر من أن يفشل»، فالتبعات الكارثية لترابط الأنظمة لا تقتصر على الخدمات المالية. والخلل في هكذا نظام يوجب اعادة بنائه بالكامل للقضاء على المشكلة.

0 تعليقات