الأهرام المصرية 

الاحد 30 أغسطس 2009

مع بدايات الازمة المالية العالمية لجأت معظم الدول الرأسمالية إلي شراء عدد من مؤسساتها المالية وبعض الشركات العاملة في مجال الاقتصاد العيني في محاولة منها لاحتواء الاثار السلبية للأزمة الطاحنة حيث سارعت بريطانيا إلي الاستحواذ علي بنك نروثان روك خامس أكبر مؤسسة مصرفية لإنقاذه من الإفلاس‏,‏ إضافة إلي بنك برات فورد المتعثر‏,‏ وطرحت خطة أخري لإنقاذ أربعة بنوك كبري وسارت الولايات المتحدة علي نفس الدرب في الاستحواذ علي المؤسسات المصرفية المنهارة لمنع إفلاسها‏.‏

ووضعت الحكومة يدها علي شركتي‏'‏ فاني ماي‏'‏ و‏'‏فريدي ماك‏'‏ عملاقتي الاقراض‏,‏ ووضعتهما تحت‏'‏ الحجز الفيدرالي‏'‏ للحيلولة دون انهيار النظام المالي بسبب أزمة الإئتمان‏,‏ وكررت الادارة الامريكية نفس السيناريو عندما وضعت خطة طواريء بقيمة‏85‏ مليار دولار لانقاذ شركة التأمين‏'‏ أمريكان انترناشيونال جروب‏'(‏ أيه‏.‏آي‏.‏جي‏)‏ لتجنب إشهار إفلاسها الذي من شأنه تعميق الاضطرابات في أسواق المال‏.‏

وبموجب الخطة استحوذت الحكومة علي حصة قدرها‏79,9%‏ من اسهم الشركة مقابل قرض من مجلس الاحتياط الاتحادي‏,‏ وتدفع‏'‏ ايه‏.‏آي‏.‏جي‏'‏ فائدة تزيد‏8.5%‏ علي سعر التعامل فيما بين البنوك مما يعطي الشركة حافزا كبيرا للبدء في برنامج لبيع الاصول لسداد القرض بسرعة وتدخلت لانقاذ مصرف سيتي بنك الأمريكي من الانهيار مما دفع بعض الاقتصاديين الي تفسير هذا السلوك علي انه تاميم وارتداد عن الرأسمالية والعودة الي الاشتراكية‏.‏

وفي مصر كان هناك اعلان من بعض الشركات القابضة لشراء أسهم بعض شركاتها للحد من انهيار أسعارها بالبورصة

واذا كان هذا الاجراء مقبولا في بدايات الازمة الا ان استمرار تدخل الحكومات حتي الان يعيد طرح نفس السؤال من جديد هل تملك الحكومات أسهما في المؤسسات الخاصة يعد ارتدادا عن الاقتصاد الحر والعودة الي الاقتصاد الموجه ؟ وهل من الادوار المنوطة للدولة في الاقتصاد الحر ان تتملك مؤسسات أو أن تشتري أسهم في شركات خاصة ؟ وما هو دور الدولة في المرحلة القادمة ؟

اكد الدكتور مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أنه من حق الدولة في ظل الاقتصاد الحر التدخل في أي وقت لحماية السوق واصلاحها سواء كان هناك ازمة مالية أم لا‏,‏ فالحرية لاتعني أن السوق تعمل بلا ضابط موضحا أن أسباب الأزمة المالية العالمية ترجع إلي حالة الانفصام الشديدة بين القطاعين المالي والعيني‏,‏ وكذلك قلة الضوابط داخل القطاع المالي كما أنه من ضمن اسباب الأزمة يرجع في الأساس الي عدم تدخل الدولة وترك الأمور للقطاع الخاص دون تدخل او متابعة‏.‏

واضاف ان شراء الحكومات لأسهم في الشركات الخاصة يصب في الصالح العام وهو ما يمكن الحكومة من التحكم في أسعار السلع وبيعها للجمهور بأسعار معقولة‏,‏ مؤكدا أن السوق الحر لا تتنع الحكومات من التدخل في أي وقت لاتخاذ مجموعة من التدابير التي تحمي بها مصالح الأفراد‏.‏

أكد الدكتور خلاف عبدالجابر خلاف رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري ان تدخل الدولة لتصحيح مسار بعض المؤسسات المالية ليس علاج الازمة المالية بشكل مطلق ولكن ياتي من باب التحوط لعدم الوقوع في ازمات اخري وهذا التحوط له اتجاهات عديدة من بينها اعادة النظر في النظام المؤسسي والاقتصادي والمالي للدولة وهذا لا يعد ردة عن الاقتصاد الحر كما يفسر البعض ولكن من ضمن آليات الراسمالية تصحيح الاخطاء التي حدثت عند تطبيق النظام‏.‏

وأوضح أن تدخل الدولة لحماية الصالح العام وهذا ما حدث بالضبط بالنسبة لقرار وزارة الاستثمار والخاص بفتح محال بيع التجزئة بسعر الجملة حتي تتمكن من ضبط السوق والتحكم في الأسعار مؤكدا ان دخول الدولة في عمليات انتاجية يصب في مصلحة الدولة والأفراد علي حد سواء‏.‏

أضاف عندما تاثرت المؤسسات المالية والشركات في دبي من الازمة المالية العالمية وكان الانقاذ من حكومة ابو ظبي من خلال تملك اسهم في شركات دبي ولم تعط حكومة ابو ظبي حكومة دبي أموالا سائلة موضحا انه يرحب بتدخل الدولة في اي وقت اذا كان هذا يصب في الصالح العام واذا كان المقصود منه ضبط الاسواق واحداث النمو‏.‏

أكدت الدكتورة يمن الحماقي وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري وعضو امانة السياسات بالحزب الوطني ان شراء الحكومات لاسهم في الشركات الخاصة لا يعد ردة عن الاقتصاد الحر ولا يعتبر تاميما ولكنه يأتي من قبيل تقوية دور الدولة حيث ان الدولة من المفترض ان تتابع النشاط المالي وبالتالي يجب إلاتسمح له ان ينزلق أو أن يتعرض للانهيار‏.‏

واضافت ان شراء الدولة حصة في الشركات الخاصة من اجل تصحيح مسار الاداء المالي‏,‏ مؤكدة ان الولايات المتحدة الامريكية منحت مزايا للقطاع الخاص من اجل شراء الاصول المالية وهذا يؤكد ان مبادئ الراسمالية كما هي ولم يطرا عليها اي تغيير ولم يحدث ردة عنها كما يردد البعض‏.‏

اوضحت ان الازمة المالية العالمية جاءت نتيجة حدوث ممارسات سيئة جدا من اصحاب رؤوس الاموال في قطاع البنوك والبورصة والعقارات حيث كان هناك مغالاة في تقييم الاصول ونتج عن ذلك فجوة كبيرة بين المكاسب الراسمالية والاجور فحدث الانهيار وشارك في هذه الممارسات الخاطئة مؤسسات التقييم التي تواطات مع رؤوس الاموال كي تغطي علي هذه الممارسات السيئة وهذا ادي الي انهيار المؤسسات المالية فكان يجب علي الحكومات والبنوك المركزية ان تتدخل لتحمي المزيد من المؤسسات المالية من الانهيار‏.‏

واشارت الي ان المؤسسات المالية لو لم تحافظ علي الاسس الاقتصادية تتعرض للخسائر وفي هذه الحالة يكون غلقها افضل الحلول حتي لا تتعرض لمزيد من الخسائر ولكن لو افلست هذه المؤسسات فانها سيكون لها اثار سلبية كبيرة علي الاقتصاد بشكل عام لان هذه المؤسسات تقوم بتمويل النشاط الاقتصادي موضحة ان شراء الدولة حصة من الاسهم لوقف نزيف الخسائر ولتصحيح المسار ووضع معايير أداء وجعل القطاع الخاص يسير علي هذه المعايير

وأكدت أن دور الدولة هو الحفاظ علي الصالح العام سواء تحقق هذا من خلال تملك أسهم في شركات خاصة أو عن طريق تملك مؤسسات بالكامل أو بأي طريق آخر‏.‏

ومن جانبها اوضحت الدكتورة هاله السعيد استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومدير المعهد المصرفي المصري ان دور الدولة في الاقتصاد الحر هو منظم ومراقب ومن بين أدوارها ان تتدخل باليات محددة لحماية السوق والحفاظ علي الصالح العام حتي لو ادي ذلك الي شرائها اسهما في شركات خاصة او تملكها مؤسسات بالكامل وهذا كله يصب في مصلحة حماية الصناعة والحفاظ علي السوق‏.‏

اضافت ان النواحي الاقتصادية شئ والنواحي الايديولوجية شئ اخر فالدولة من حقها ان تتخذ الاجراءات التي تراها مناسبة كي تحافظ علي سلامة المؤسسات بعيدا عن الدخول في النظريات الايديولوجية مؤكدة ان الدولة لها اهداف سياسية اهمها علي الاطلاق هو الحفاظ علي سلامة وامن المؤسسات المالية والصناعية‏.‏

0 تعليقات