في دراسة هامة ترصد حركة الخصخصة في مصر

توسيع قاعدة الملكية ليس تخليا عن دور الدولة

عرض‏:‏ زينب فتحي أبو العلا

الاهرام الإقتصادي

أكدت الدراسة التي أعدتها وزارة الاستثمار ان استراتيجية توسيع قاعدة الملكية لايمكن أن ينظر لها علي أنها تخل من الدولة عن مسئوليتها‏,‏ أو أنها طريقة للتخلص من وحدات وشركات القطاع العام‏,‏ وأن استقدام أساليب أواستراتيجيات الطرح والتوسع في استخدام بعضها او تجميد أخري يعتبر من أهم عناصر النجاح‏.‏

في البداية أشارت الدراسة الي أنه قد تعاقبت سياسات الإصلاح الاقتصادي الهادفة إلي تحقيق معدلات نمو مرتفعة‏,‏ بالإضافة إلي تحسين دخول المواطنين وتوزيع ثرواتهم‏,‏ وإن اختلفت أدواتها وسياستها حسب متغيرات ومعطيات كل مرحلة‏,‏ وفي حقبة بدأت في الخمسينات واستمرت أكثر من عقدين من الزمان كان القطاع العام يمثل البديل الأول والأفضل لدفع قاطرة التنمية‏,‏ ثم ظهرت الحاجة تدريجيا لتغيير هذه السياسات ليس في مصر فقط وإنما في معظم دول العالم بعد أن أصبحت تكلفة الابقاء علي تواجد الدولة في جميع القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية باهظة للغاية وتمثل عبئا إداريا وماليا تنوء به أجهزة الدولة ومواردها‏.‏

وانعكس ذلك علي تدهور مؤشر اداء قطاع الأعمال العام كما توضح المؤشرات المالية منذ عام‏93/92‏ وحتي عام‏2008.‏

وقد حققت شركات قطاع الأعمال‏(314‏ شركة‏)‏ في مجملها لدي بدء تنفيذ برنامج الخصخصة عن عام‏93/92‏ صافي ربج يقدر بــ‏62‏ مليون جنيه علي صافي استثمارات تقرب من‏80‏ مليار جنيه أي بنسبة عائد حوالي صفرا وذلك مقابل صافي أرباح عن عام‏2008/2007‏ يقدر بنحو‏5.3‏ مليار جنيه لــ‏153‏ شركة تابعة‏.‏

وقد عانت الشركات من خلل في هياكلها التمويلية علي سبيل المثال وبلغ رأس المال‏7.5‏ مليار جنيه علي إجمالي استثمارات تقدر بـ‏80‏ مليار جنيه أي أن التمويل الذاتي لم يتعد‏9%‏ في حين بلغ رصيد القروض للبنوك عن عام‏2008/2007‏ بعد التسويات بــ‏10‏ مليارات جنيه بانخفاض قدره حوالي‏75%.‏

وكان هناك عدم إنتظام في الشركات في سداد المديونيات استمر لعدة سنوات نتيجة عدم القدرة علي السداد لتجاوز المديونية قدرة الكثير من الشركات علي السداد فلم تكن القرارات الإئتمانية لتلك الشركات تتم علي الأسس الاقتصادية المتعارف عليها‏.‏

بلغت الفوائد المدينة التي أثقلت كاهل الشركات لدي بدء البرنامج بحوالي‏4‏ مليارات جنيه سنويا‏,‏ وقد تراجعت بنحو‏50%‏ عن عام‏2008/2007‏ نتيجة عمليات التسوية للديون‏.‏

في كثير من الأحيان كانت القوائم المالية للشركات لاتعبر بدقة عن الأوضاع الاقتصادية الحقيقية للشركات‏.‏

وقد صدر قانون‏203‏ لقطاع الأعمال العام‏1991‏ ليشمل‏314‏ وحدة من وحدات قطاع

الأعمال العام في‏46‏ مجالا ونشاطا ليتم تطبيق برنامج متكامل لتحسين كفاءتها ومساهمتها في الاقتصاد القومي‏,‏ وتجدر الاشارة أن هذا البرنامج الذي يشار اليه أحيانا بأنه برنامج الخصخصة هو تعبير غير دقيق يستهدف‏-‏ كما هو معلن رسميا منذ بدايته وحتي اليوم‏-‏ تحسين كفاءة الوحدات الانتاجية وتطويرها وتعظيم مساهمتها في الاقتصاد القومي وهو الهدف الرئيسي الذي نصت عليه البيانات الرسمية و الأدلة الصادرة عام‏93‏ وعام‏96‏ عن وزارة قطاع الأعمال العام وومن هذا المنظور فإن نقل ملكية القطاع العام للقطاع الخاص‏(‏ الخصخصة‏)‏ ليست هدفا في حد ذاته للاعتبارات التالية‏.‏

الخصخصة ليست هدفا

‏1-‏ تعد عملية نقل الملكية او توسيعها في الشركات كما تؤكد المراجع انها وسيلة من وسائل اعادة الهيمنة من خلال استقدام ملاك جدد تتوافر لديهم الخبرة والملاءة المالية والتكنولوجيا المتقدمة وما إلي ذلك وعندما يكون الاجراء المتعارف عليه في إعادة هيكلة المنشآت في إطار سياسة إصلاح وحدات مملوكة للدولة من خلال بيعها للقطاع الخاص فإن ذلك مايسمي بالخصخصة‏.‏

‏2-‏ ان الخصخصة بمعني نقل الملكية للقطاع الخاص لم تكن هي الأسلوب الوحيد الذي تم تطبيقه علي وحدات قطاع الأعمال وإنما كان هناك عدة أساليب أخري مثل التأجير وعقود الإدارة عملت علي تحقيق أهداف التحسين والتطوير بدون نقل الملكية‏,‏ كما أن الخصخصة الجزئية أو الدخول في شراكة مع القطاع الخاص في كيان جديد ايضا تم تطبيقها في حالات عديدة‏.‏

‏3-‏ ان هناك بعض القطاعات مثل الأدوية وصناعة السكر وبعض المطاحن والنقل شملها قانون‏203‏ علي الرغم من عدم استعداد الدولة لفقد حصة السيطرة فيها حتي الآن وقد شهدت هذه القطاعات تطويرا كبيرا في ظل قانون‏203‏ لعام‏91,‏ وتحولت كثير من الشركات العاملة بها الي وحدات ذات كفاءة عالية‏.‏

‏4-‏ نظرا لان بيع الشركة هو أحد أدوات إعادة هيكلتها وتصحيح مسارها وليس العكس حيث يهدف التطوير من خلال جلب شركاء او مشترين من مستثمري القطاع الخاص لديهم الخبرة الادارية والملاءة المالية والتكنولوجيا‏,‏ لذا فإن متابعة وتقييم البرنامج ومدي تحقيقه للهدف منه لاتنتهي عند البيع وانما تستوجب متابعة الآداء بعد البيع لهدفين‏,‏ أولهما‏:‏ معرفة مدي تحقيق الهدف الأشمل منه وهو زيادة الكفاءة والتحسين والثاني‏:‏ هو الوقوف علي مدي ملاءمة طرق البيع المستخدمة وقد أظهرت عدة دراسات وتقارير تحسن آداء غالبية الشركات بعد البيع‏.‏

نخلص من ذلك أن الخصخصة هي احدي أدوات الاصلاح وتصحيح المسار للشركات والوحدات المملوكة للدولة وليست الهدف الأساسي من البرنامج‏,‏ وان كانت تخدم بوجه عام في تخارج الدولة في مجال الأعمال ودعم دور القطاع الخاص في خطة التنمية المتواصلة وعرضت الدراسة المراحل المختلفة التي مر بها برنامج الاصلاح حيث أفاد أن البرنامج في مراحله الأولي اعتمد علي ان تكون الشركات التي يتم خصخصتها من الشركات الرابحة‏,‏ وذلك لامكانية تدوير وتنشيط بورصة الاوراق المالية وإيجاد جو من الثقة بين المستثمرين والحكومة‏,‏ وألا تكون هذه الشركات ذات أحجام ضخمة قياسا باستثماراتها حتي يتم تحجيم أثر أية مشكلات قد تظهر خلال التنفيذ مع عدم بيع شركات لها صفة احتكارية أوتعمل في أسواق تحتاج لإصلاح إجرائي وتشريعي يسبق عمليات البيع لتفادي الآثار السلبية في حالة نقل الاحتكار لشركات خاصة‏,‏ ومن هذا المنظور تم توظيف الاستراتيجيات والبدائل في الخصخصة متمثلة في طرق البيع المعروفة من بيع لمستثمرين استراتيجيين او بالطرح العام او للعاملين او بيع الأصول او طرق البيع المشتقة من تلك الطرق الأساسية وفقا لمتطلبات كل مرحلة من البرنامج‏.‏

تنشيط البيع

وتم خلال الفترة من‏93‏ وحتي‏95‏ البدء في تفعيل أغلب طرق البيع الرئيسية السلف ذكرها‏,‏ وقد اتسمت تلك الفترة بجهود الاعداد لمرحلة البيع في نواحي متعددة مثل الاعداد للاطار التشريعي واعادة تنظيم محافظ الشركات ودراسة أوضاع الشركات وتقييمها وما إلي ذلك من اجراءات تمهيدية‏,‏ وتم في نفس الفترة البدء بطرح شرائح أقلية في‏15‏ شركة في البورصة‏.‏ والمرحلة الثانية و شملت الفترة من عام‏1996‏ وحتي عام‏97‏ حيث تمت عمليات بيع حصص أغلبية في البورصة لــ‏28‏ شركة من اجمالي‏38‏ شركة بيعت بهذا الأسلوب بالاضافة الي حصص أقلية في‏8‏ شركات وتم اختيار اسلوب الطرح العام لهذه المرحلة لايجاد الثقة في البرنامج وتنشيط البورصة وجذب انتباه المستثمر الاستراتيجي لوجود فرص استثمارية في قطاع الاعمال العام‏.‏

المرحلة الأخيرة

المرحلة الثالثة والتي بدأت في عام‏98‏ وقد ركزت هذه المرحلة علي البيع لمستثمر رئيسي او استراتيجي خاصة في مجال التوسع في عمليات البيع الجزئي لأصول الشركات التابعة من مصانع وخطوط إنتاج لدفع عجلة البرنامج‏,‏ بالاضافة الي تنشيط عمليات بيع الشركات لاتحادات العاملين في عدة قطاعات أهمها قطاعي النقل ومضارب الأرز‏.‏

وقد شهد منذ عام‏2001‏ نسبة توقف في عمليات البيع لعدة سنوات حيث بلغ متوسط مبيعات البرنامج علي مختلف انواعها أقل من‏300‏ مليون جنيه سنويا مما انعكس سلبا علي تقييم الجهات المهتمة بالبرنامج محليا وعالميا لمناخ الاستثمار ولمدي التزام الدولة ببرنامج الاصلاح‏,‏ كما أن تدهور الحصيلة أدي الي فقدان مورد عام من موارد اعادة الهيكلة التي كانت ضرورية بل ملحة ثم تدهورت جميع مؤشرات محفظة قطاع العمال حتي سجلت صافي خسارة‏1.3‏ مليار جنيه عام‏2003‏ مع تضخم ارصدة الديون للبنوك له وضعف مؤشرات التشغيل‏.‏

كما ظهرت الفترة عدة مؤشرات أخري مثل التدهور المستمر في نتائج عالمية الشركات التي تم بيعها لاتحادات العاملين المساهمين‏,‏ ومطالبة العديد منها بالرجوع لمظلة قطاع الأعمال العام الي جانب الركود المستمر في عمليات البيع للأصول غير المستغلة‏,‏ وكذلك بيع حصص المال العام في الكيانات المشتركة والمرحلة الأخيرة التي يشهدها البرنامج منذ عام‏2004‏ وحتي الآن تضمنت ي برنامجا لادارة الأصول والاستثمارات المملوكة للدولة والتي تعتمد علي المحاور التالية‏:‏

-‏ طرح الأصول والاستثمارات المملوكة للدولة لمشاركة القطاع الخاص وفقا لمباديء الحفاظ علي المال العام ومراعاة حقوق العاملين بما يسهم في جذب استثمارات جديدة‏.‏

-‏ تنفيذ برامج متكاملة لاعادة الهيكلة والحفاظ علي المال العام وزيادة العائد علي الاستثمارات في شركات قطاع الاعمال العام وذلك استند لدراسات جدوي فنية ومالية‏.‏

-‏ الادارة الرشيدة للشركات وتطبيق مباديء حوكمة الشركات والتأكيد علي كفاءة الادارة ووجود قيادات من الصف الثاني والثالث والافصاح الكامل عن نشاط الشركات مع التأكيد علي دور الجهاز المركزي للمحاسبات بصفته الجهة الرقابية المنوط بها القيام بأعمال التدقيق والمراجعة‏,‏ واعتماد القوائم المالية للشركات وتقارير تقييم الاداء وقد شهد البرنامج منذ يوليو‏2004‏ وحتي يونيو‏2008‏ العديد من التطورات منها‏.‏

-‏ تمت تسوية الجزء الاكبر من الديون المستحقة علي شركات قطاع الاعمال العام للبنوك التجارية العام فانخفضت ارصدة المديونية من‏31.5‏ مليار جنيه الي اقل من‏10‏ مليارات جنيه مما حقق وفرا سنويا في اعباء الفوائد بلغ حوالي‏2‏ مليار جنيه‏.‏

-‏ تحولت نتائج محفظة قطاع الاعمال العام من خسائر تقدر بـ‏1.3‏ مليار جنيه عام‏2003‏ الي ارباح بلغت‏604‏ مليون جنيه عام‏2006‏ ارتفعت الي‏1.6‏ مليار جنيه عام‏2007‏ وحوالي‏5.3‏ مليار جنيه عام‏2008‏ وهي ارباح عام‏2008‏ وهي ارباح من النشاط الرئيس للشركات‏.‏

*‏جهود عمليات اعادة الهيكلة المالية والعمالية وتمويل العجز والاختناقات في بعض الشركات ثم الاهتما م بالاستثمارات في شركات قطاع الاعمال العام علي اسس الجدوي الاقتصادية والفنية وتم اعتماد خطط استثمارية جار تنفيذها في شركات متعثرة او رابحة منها علي سبيل المثال خطة بتكلفة مليار جنيه في شركة الحديد والصلب واخري بنفس المبلغ في شركة مصر للالومنيوم واخري بتكلفة‏900‏ مليون جنيه لشركات غزل منطقة كفر الدوار المتعثرة‏,‏ واخري بتكلفة‏1.4‏ مليارجنيه لتطوير الفنادق المملوكة لقطاع الاعمال وقد بلغ اجمالي ما تم تنفيذه في الشركات خلال الاربع سنوات الماضية بما يقرب من‏8‏ مليارات جنيه‏.‏

*‏في المجمل زادت مبيعات الاجمالية الي‏380‏ مليار جنيه خلال السنوات الاربع وهي تمثل ضعف اجمالي ما تم بيعه خلال‏13‏ عاما من عمر البرنامج من عام‏1991‏ وحتي عام‏2004‏ منها عمليات كبيرة مثل بيع بنك الاسكندرية و‏20%‏ من اسهم المصرية للاتصالات كما ساهمت عمليات بيع حصص المال العام في الكيانات المشتركة بمايقرب من‏40%‏ من تلك الحصيلة‏.‏

وتخلص الدراسة الي ان مدي نجاح البرنامج لا يقاس فقط بحجم وقيمة ما تم بيعه او ما تم سداده من ديون انما يقاس بحجم الجهود المبذولة في تلافي الاخطاء والعثرات ومسببات الفشل التي عانت منها العديد من الدول الاخري‏,‏من هذا المنظور فان اي استراتيجية لتوسيع قاعدة الملكية ايا كان لا يمكن ان ينظر لها علي انها تخل من الدولة عن مسئولياتها او انها طريقة التخص من وحدات وشركات القطاع العام التي طالما اعطت وساهمت في نهضة البلاد في عصور سابقة وان التقييم المستمر لاستراتيجيات الطرح والتوسع في استخدام بعضها او تجميد اخري يعتبر من اهم عناصر نجاح البرامج المشابهة‏,‏ كما ان دراسة واستقدام اساليب او استراتيجيات جديدة حسب متطلبات كل مرحلة لايعني اعلان فشل ما قبلها‏,‏ فالتطوير والمرونة كانت هي سمة التجارة الناجحة في مختلف دول العالم‏,‏ والجمود في الاستراتيجيات المطبقة كان من الاسباب الرئيسية للفشل‏.‏

0 تعليقات