المنتجون‏:‏ استوكات دولية ترمي في السوق بأي سعر ونحن ضحايا المرحلة الحالية

المستوردون‏:‏ المنتجون يضغطون لانتزاع رسم وارد لترويج مخزونهم بسعر أعلي

تحقيق‏:‏ أحمد صالح

ماذا يحدث في سوق الحديد؟ وماذا يحدث لو حدث اضراب لمنتجي الحديد؟ وماهو دور الدولة ؟حماية المستهلك اولا أم حماية المنافسة؟ أين الدور الغائب لتنظيم السوق؟

اسئلة حائرة اندلعت في ظل التشابك الضارم حاليا بين منتجي ومستوردي الحديد لم يستفد منه سوي المستهلك الذي جني ثمار هذا الصراع بعد أن انخفضت اسعار الحديد بنسبة لاتقل عن‏60%‏ بعدما شهدت التهابا لم يسبق له مثيل من قبل‏.‏

الغريب أن المنتجين يرددون انهم ضحايا هذه المرحلة وأعدوا العدة لاثبات وقوع اغراق بسوق الحديد في مصر بعد أن اكتظت مخازن الدول في أوكرانيا وتركيا ودول الخليج بالحديد بعد الازمة الاقتصادية بما دفع هذه الدول لطرح كميات هائلة من الحديد الي السوق المصري المتعطش بأي سعر حتي وصل الأمر الي استيراد مايعادل‏50%‏ من الطاقة الانتاجية الشهرية لمصانع الانتاج في مصر التي تصرخ حاليا بأنها علي شفي الافلاس وتهدد بالاستغناء عن العمالة أو الاضراب المنظم‏..‏وسبحان مغير الاحوال‏..‏

المستندات التي حصلنا عليها تكشف أن سعر بيع حديد التسليح في تركيا واوكرانيا أقل من سعر بيعه في مصر‏,‏ فمثلا بلغ سعر الطن في تركيا مابين‏490‏ الي‏500‏ دولار من‏15‏ الي‏22‏ يناير‏2009‏ مقابل من‏510‏ الي‏530‏ دولارا في أوكرانيا في حين يبلغ سعره بعد تصديره لمصر مابين‏450‏ الي‏465‏ دولارا بما يعني بيعه في مصر بسعر أقل من مثيله في بلده ومنذ شهر سبتمبر‏2008‏ حتي الآن انخفض سعر الطعن في اوكرانيا وتركيا بما لايقل عن‏50%‏ وهذا يثبت انخفاض الاسعار العالمية‏,‏ فقد بلغ سعر الطن في الفترة من‏28‏ اغسطس الي‏4‏ سبتمبر‏2008‏ ما بين‏1150‏ الي‏1200‏ دولار في اوكرانيا ومابين‏850‏ الي‏900‏ دولار في تركيا ومع بداية الاستيراد في نوفمبر‏2008‏ بلغ سعر بيع الطن في تركيا بين‏460‏ الي‏470‏ دولارا مقابل‏600‏ الي‏650‏ دولارا في أوكرانيا وكان أول سعر معلن للمستورد في سعر مابين‏460‏ الي‏470‏ دولارا مع نهاية عام‏2008.‏

يري المهندس علاء ابوالخير رئيس غرفة الصناعات المعدنية أن انخفاض اسعار الحديد من‏8‏ آلاف جنيه الي‏3‏ آلاف فقط خلال شهرين من عام‏2009‏ جاء نتيجة لانخفاض الاسعار العالمية لخام البليت وليس لعمليات الاستيراد الاخيرة والمشكلة الاساسية في ظل الازمة الاقتصادية العالمية وفيما يخص الحديد ـ كما يقول ـ ترجع الي أن تركيا تنتج‏14‏ مليون طن ولايتعدي استهلاكها‏6‏ مليون طن وبالتالي لامفر أمامها من تصدير فائض‏8‏ مليون طن ومع انخفاض معدل الاستيراد من اوروبا وامريكا والخليج لجأت الي توجيه كمية كبيرة الي السوق المصري خاصة وأن حجم تصدير الحديد التركي الي دبي مثلا انكمش بنحو‏400‏ ألف طن وقد لجأ المستوردون الي الحديد التركي لأن الاتراك كان يهمهم في المقام الاول تصريف المخزون لديهم بأي صورة حتي لو وصل الأمر الي حرق سعر الحديد في الاسواق العالمية المهم أنه يدخل السوق بنظام الكاش ورغم ان الكميات المستوردة من الحديد دخلت الي السوق بشكل شرعي إلا أنها أدت الي اهتزاز السوق لانها دخلت باسعار اقل من تكلفة انتاج الحديد في مصر مهددة بتوقف المصانع المنتجة في مصر خاصة وأن ظاهرة استيراد الحديد تتزايد فقد بدأت باستيراد‏30‏ ألف طن في ديسمبر‏2008‏ ارتفعت الي‏130‏ ألفا في يناير‏2009‏ ثم الي‏220‏ الف طن في فبراير والي‏250‏ ألف طن في مارس وهنا الخطورة ـ كما يقول ابوالخير ـ لأن هذا الرقم الاخير يعني‏50%‏ من استهلاك السوق المحلي شهريا ومن طاقات المصانع المصرية التي تأثرت من دوران الحديد المستورد المحروق وفي المقابل لم تجد المصانع سوي اطلاق صرخة استغاثة بتراكم مخزون الحديد والتلويح بتسريح نسبة لابأس بها من العمالة لمواجهة الضغوط‏.‏

سألت ابوالخير‏:‏ ولكن المستهلك استفاد من الاستيراد بعد أن انخفضت الاسعار بنسبة لاتقل عن‏60%‏ ؟

أجاب‏:‏ من مصلحة مصر الاعتماد علي المصانع المحلية حتي لاتهدر الدولارات في استيراد منتج تام موجود في مصر وحتي لاتشرد العمالة خاصة وأن الاسعار هبطت بفعل انخفاض الاسعار العالمية‏..‏

علي النقيض من الرأي السابق قال أحد مستوردي الحديد ـ رفض ذكر اسمه ـ أن المنتجين قاموا باستيراد كميات كبيرة من الحديد بسعر رخيص وامتلأت مخازنهم واكتظت وهم يريدون الآن الضغط علي الحكومة من أجل فرض رسوم اغراق علي الحديد المستورد فترتفع الاسعار مرة أخري وبالتالي يصرفون المخزون بالاسعار الجديدة وتصبح المنفعة مزدوجة انتاج واستيراد والمستهلك يدفع الثمن‏..‏

اضاف أن بعض المنتجين خفضوا الانتاج عمدا لاحتكار السوق فتكلفة انتاج طن الحديد في حدود‏400‏ دولار ولو تم بيعه بسعر‏500‏ دولار سيكون السعر النهائي في حدود‏2800‏ جنيه رغم أنه حاليا يصل الي‏3100‏ جنيه‏!‏

وقال محمد اسماعيل عضو مجلس ادارة غرفة الصناعات المعدنية‏:‏نحن جاهزون بالمستندات التي تكشف وجود اغراق للحديد المستورد في السوق المصري ولكن المشكلة أن هناك فاصلا زمنيا من اندلاع الازمة واستشعارها‏,‏ فنحن كمنتجين استشعرنا الأزمة وظلننا نعاني الي أن شعر بها السوق‏,‏ فقد شعرنا بوجود خطط لغزو السوق المصري والتهامه حتي وصل الأمر الي وجود مخطط قطري لاقتحام السوق المصري لأن منطقة الخليج تأثرت بالأزمة العالمية وهي أكبر منطقة مستوردة للحديد خاصة من أوكرانيا وروسيا فتسعي حاليا كل دولة خليجية الي التصرف في مخزونها وتوجيهه الي مصر كما بدأ المنتجون السعوديون في المطالبة برفع حظر التصدير استهدافا للسوق المصري‏.‏

في حين أن كلا من سوريا والاردن قامتا بوضع رسوم علي واردات الحديد لهما رغم انخفاض عدد منتجي الحديد فيهما‏,‏ بل وصل الأمر الي أن تركيا نفسها وضعت رسوم اغراق لانها تخشي تسلل الحديد الاجنبي لها‏!!‏

والمحصلة النهائية‏..‏ وجود استوكات وكميات مرعبة من الحديد نتيجة الازمة العالمية والركود وبتترمي في الاسواق باي سعر‏.‏

يضيف اسماعيل أن المنتجين المصريين يستطيعون التعامل مع المستهلك المصري وقد قمنا كمنتجين ـ كما يقول ـ بتغطية احتياجات السوق وقت الازمة السعرية الماضية والتي كانت ملتهبة بسبب ارتفاع الاسعار العالمية‏,‏ ونحن نبحث حاليا عن تحقيق التعادل السعري في الاسواق بين المحلي والمستورد‏,‏ فهناك دول عديدة قامت بخفض قيمة عملتها كما تحافظ علي معدلات صادراتها وتمتلك في نفس الوقت مواد الانتاج الاولية وبالتالي ينخفض سعر التصدير ومازلنا نعمل لكننا في النفس الأخير‏.‏

سألته ولكن بعض المنتجين استوردوا في بداية الأمر وهم يشكون الآن من الاستيراد؟‏!‏

أجاب‏:‏ المنتجون الذين استوردوا لتهدئة السوق حتي لايحدث كساد في عمليات البيع ثم أنها ليست جريمة نظل نعاقب عليها‏!!‏ والمنتجون الذين استوردوا توقفوا منذ يناير الماضي ولم يبرموا أي تعاقدات في حين أن هناك شرائح مجتمعية غريبة تقوم الان باستيراد الحديد وتبيعه باي سعر من اجل اقتناص سبوبة‏.‏والحماية التي نسعي اليها الآن ونطلبها من وزارة التجارة والصناعة لاتعني وقف الاستيراد ثم رفع اسعار بيع الحديد فيما بعد ولاتعني ايضا عودة طوابير وضغط وارباك السوق وأنما نريد آلية تنظيم السوق وبأي شكل يحقق المصلحة العامة لكل الاطراف لأن المنتجين اصبحوا ضحايا المرحلة الحالية‏!‏

ليس هدفنا الدخول في صدام وحرب مع وزارة التجارة والصناعة ـ هكذا يقول رفيق بولس العضو المنتدب لشركة السويس للصلب‏,‏ مضيفا أن تحريك الامور هدفه الحفاظ علي الكيانات المنتجة حتي لاتغلق بالضبة والمفتاح لأن الاتزان الطبيعي لاسعار الحديد عاد من جديد بفعل قوي السوق الحر‏,‏ فانخفضت الاسعار من‏6800‏ جنيه للطن الي‏3500‏ جنيه خلال‏6‏ أشهر وعندما بدأ الاستيراد في نوفمبر‏2008‏ كان السعر يهبط بشكل طبيعي ومتدرج‏.‏

يشير بولس الي أن لعبة المستوردين تقوم علي النزول بسعر طن الحديد المستورد بقيمة‏100‏ جنيه عن السعر المحلي المعلن‏,‏ فمثلا حين تعلن مجموعة عز أن سعر طن الحديد‏3050‏ جنيها وبشاي‏3000‏ جنيه والوطنية‏2950‏ يهبط المستورد بالسعر الي‏2890‏ جنيها والمستندات لدينا التي تثبت وجود حالات اغراق‏,‏ لذا لابد من التفكير في آلية تحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين‏.‏

سألت رفيق بولس‏:‏ وزارة التجارة وجهاز مكافحة الدعم والاغراق يؤكد انكم كمنتجين لم تتقدموا باي مستندات تفيد صحة موقفكم فكيف ستدللون علي صحة وجهة نظركم؟

اجابا‏:‏ أن المنتجين اعدوا العدة وجمعوا مستنداتهم لتقديمها وقد سبق أن تقدمنا في مجموعتنا بشكوي الي قطاعي الاتفاقات التجارية والتجارة الخارجية بالوزارة لطلب حماية الصناعة‏,‏ فطلبوا منا بعض المعلومات فجمعناها وقررنا تقديمها بشكل جماعي مع المنتجين المتضررين‏.‏

والملحوظة الخطيرة هنا أن جهاز مكافحة الدعم والاغراق ينظر الي سعر بيع الحديد المستورد في السوق وليس بسعر الاستيراد قبل هامش الربح لأنه علي سبيل المثال يتم استيراد حديد بسعر‏2500‏ جنيه للطن قبل الخروج من الجمارك وبعد خروجه يباع في الاسواق بسعر‏3000‏ جنيه والمفروض أن يكون النظر الي سعر الاستيراد وليس النهائي حتي لايتحول الامر الي حماية للمستوردين‏.‏

يؤكد عبدالرحمن فوزي رئيس قطاع الاتفاقيات الخارجية بوزارة التجارة والصناعة بانه لم يتقدم احد من المتضررين من استيراد الحديد بأي مستندات ولهذا لن يتم اتخاذ أي اجراء حاليا في ظل تشابك المصالح وكل طرف يطلب حمايته والمستهلك هو المستفيد في النهاية من الصراع بين المنتج والمستورد والحفاظ علي الصناعة الوطنية ضرورة وهناك قوانين تحكم تنظيم هذه العلاقات ومنظمة التجارة العالمية اشترطت اجراء تحقيقات قبل الاقرار بوجود اغراق في الاسواق والمعيار الاساسي أنها بكم تباع السلعة المستوردة في بلدها كم سعرها هنا‏.‏

وقد صدر القانون المصري رقم‏161‏ لسنة‏1998‏ ولائحته التنفيذية بعض الشروط التي يجب توافرها في أي شكوي مقدمة لاقرار وجود اغراق سلعي بالاسواق وهي‏:‏

*‏ بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء يفيد بوجود زيادة في حجم الواردات في الاونة الأخيرة مقارنة بالفترات السابقة‏.‏

*‏ دليل ممارسة الاغراق‏(‏ سعر التصدير الي السوق المحلي يقل عن سعر البيع في بلد التصدير‏).‏

*‏ أدلة كافية علي وجود الضرر الواقع علي الصناعة المحلية متمثلا فيما يلي‏:‏

-‏ الاثار السعرية‏(‏ وجود فارق سعر البيع بالسوق المصري بين المحلي والمثيل المستورد‏).‏

-‏ الاثار الاقتصادية‏(‏ المبيعات‏,‏ المخزون‏,‏ الانتاج‏,‏ الربحية‏...‏ الخ‏).‏

-‏ العلاقة السببية بين الاغراق والضرر‏(‏ أن يكون الضرر الواقع علي الصناعة المحلية بسبب الواردات المغرقة وليس لأي سبب آخر‏).‏

لدينا‏21‏ مصنعا لانتاج حديد التسليح في مصر منها‏18‏ مصنعا للدرفلة تعتمد علي شراء البليت لدرفلته بجانب‏3‏ مصانع تنتج البليت للاستخدام الذاتي وتركز‏90%‏ من صناعة الصلب في القطاع الخاص وتبلغ استثمارات مصانع الحديد‏15‏ مليار دولار في مصر‏.‏

بلغ الانتاج المحلي‏5.4‏ مليار دولار خلال عام‏2008‏ فيما بلغت الاحتياجات الفعلية‏6‏ مليون طن ولايتعدي حجم الانتاج الشهري للمصانع المصرية‏400‏ ألف الي‏500‏ ألف طن‏.‏

منقول

0 تعليقات