رسالة الكويت بقلم‏:‏ أســـامــــة غــــيــث

لا يمكن أن تكون القمة العربية الاقتصادية بالكويت عنوانا ومفتاحا للقول الفصل والحكم السليم لمدي جدية الدول العربية من عدمه للسير في طريق التكامل الاقتصادي والاسراع بتوثيق التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي والاستثماري‏,‏ ويرجع ذلك لحقائق مؤكدة تشير إلي أن المناخ الدولي والمناخ الاقليمي وكذلك المناخ العربي كانت جميعها خارج السياق الصحيح واللازم لادارة حوارات جادة وموضوعية وبالتالي فإنها تؤدي في الحساب النهائي إلي العجز عن اتخاذ قرارات حيوية ومصيرية ولا يرجع ذلك لمحرقة غزة وجرائم الحرب والابادة الجماعية لعصابة الكيان الصهيوني الغاصب بمساندة مطلقة وكاملة للطرف الأمريكي والأطراف الأوروبية بشكل فاضح يصل إلي حدود المشاركة الكاملة في ترتيب المحرقة وتنفيذها ولكنه يرجع أيضا إلي ملابسات الزلزال المالي والاقتصادي العالمي وتداعياته الكارثية علي الاقتصادات العربية خاصة دول الخليج العربي التي احترقت فوائضها ومدخراتها وخططها الطموح للانتعاش والنمو بمحرقة الفساد المالي العالمي وتجاوزاته الواسعة المدي والنطاق واكتملت أزمتها بالانخفاض الحاد لأسعار النفط المورد الرئيسي لتمويل موازاناتها العامة وللانفاق علي التنمية ومشروعاتها ومع تكاتف شرور السياسة مع شرور الاقتصاد فإن القمة اصطدمت قبل أن تبدأ ـ بقلاع حصينة للاحباط يمتنع معها القدرة علي التفكير في احتياجات الحاضر الضرورية ويستحيل معها أن يطرح حوار حول الطموحات المستقبلية تحت وطأة الضغوط القائمة التي لا ترحم وتجرف سيولها الهادرة الكافة والجميع‏.‏وقد فجر الدكتور محمد الصباح وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الكويتي حقائق يوم القيامة الاقتصادي الذي يعيشه العالم العربي في تصريحات صادمة مع بدء الاجتماعات التمهيدية للقمة عندما اخترق كل حواجز التعتيم العربية الصارمة حول الخسائر المحققة جراء الأزمة المالية الأمريكية العالمية وكشف عن تقديرات بالغة الضخامة للخسائر العربية تبلغ وفقا لتقديراته‏2500‏ مليار دولار‏2,5‏ تريليون‏,‏ وهي خسائر فادحة ومدمرة لا تعني ماليا واقتصاديا الوقوع في خانة التعثر بل تعني الوقوع في خانة الافلاس بحكم أن هذه الخسائر المبدئية تصل قيمتها لنحو ضعف الناتج المحلي الاجمالي لمجموع الدول العربية سنويا في أوقات الرخاء والوفرة والأسعار العالية للنفط ومكرراته ومشتقاته وصناعاته‏,‏ ولكنها تصل إلي أكثر من الضعف في أوضاع الأزمة والخسارة وفي أوقات انخفاض العوائد النفطية وتلاشي ايرادات الفوائض البترولية التي جمعت علي امتداد عقود ماضية واستثمرتها صناديق الاستثمار السيادية للدول والشركات والأفراد من أصحاب الدخل والثروة‏.‏

وقد اكتملت تأثيرات القنبلة العنقودية والفوسفورية البيضاء لتصريحات وزير خارجية الكويت بتأكيده مأساوية الأوضاع الراهنة والقائمة للاقتصادات العربية وفي مقدمتها الخليجية بقوله إن‏60%‏ من مشروعات التشييد والبناء قد توقفت‏,‏ وبالتالي أصبحت خارج نطاق التنفيذ بكل ما يعنيه ذلك من عدم توافر الأموال العامة والخاصة ونقص السيولة المالية وانعكاس ذلك الفوري علي نشاط الشركات والأعمال والمنشآت والتجارة الداخلية والخارجية ويعني معدل توقف يصل إلي‏60%‏ في أعمال التشييد والبناء حديثا لا يقتصر علي الركود الاقتصادي وتعريفاته ومعانيه‏,‏ ولكنه يعني حديثا يدخل تحت بند الكساد العظيم بكل سيئاته ومخاطره بحكم توصيفه لحالة من الشلل الاقتصادي العام التي تنال سلبياتها الحادة مختلف قطاعات الاقتصاد والأعمال والأنشطة‏,‏ وفي ظل المعاني الخطيرة لهذا التصريح الصارخ القادم من مسئول حكومي كبير فإن بعض المتفائلين حاولوا التقليل من تأثيراته ومعانيه المدمرة بالقول علي سبيل المزاح إنه محاولة من دول الخليج لتقديم شهادة فقر مبكرة ومبتكرة للقمة العربية لقطع الطريق أمام مطالبات فقراء العالم العربي بالدعم والمساندة وأنها أيضا تكتيك بل استراتيجية هجومية تسعي لاجهاض طموحات البعض عربيا في أن تتحمل الدول البترولية الغنية صاحبة الفوائض النفطية الضخمة فاتورة التكامل الاقتصادي وتكاليف سياسات وخطط توثيق وتعزيز التعاون الاقتصادي الشامل‏.‏

الفوائض العربية‏..‏ وحقيقة قيمتها وأصولها

ولقد دفع التصريح الكويتي باعتبارها دولة المقر للقمة لاثارة تساؤلات واسعة النطاق حول حقيقة الفوائض والثروات العربية المستثمرة أساسا بأمريكا ثم أوروبا ثم جنوب شرق آسيا والصين وروسيا الاتحادية اضافة لمدي صدق وجدية الأرقام والاحصائيات التي تضمنتها أوراق العمل المقدمة من اللجنة التحضيرية للقمة التي مارست نشاطها تحت مظلة جامعة الدول العربية‏,‏ حيث أشارت إلي أن حجم موجودات الصناديق السيادية العربية يصل إلي‏1,694‏ تريليون دولار في عام‏2007‏ وأن هذه الموجودات الأصول تبلغ نسبتها‏130%‏ من مجموع الناتج المحلي الاجمالي العربي‏,‏ وهو ما يعني بالحساب أن الخسائر المعلنة وفقا للتقدير الكويتي والبالغة‏2,5‏ تريليون دولار وبحكم أن الأزمة المالية الأمريكية والعالمية تقدر معدلات خسائرها في المتوسط بنحو‏50%‏ من قيمة الأصول المستثمرة‏,‏ فإن معني ذلك أن حقيقة قيمة الاصول العربية العامة والخاصة بالأسواق الخارجية الدولية لا تقل عن‏5‏ تريليونيات دولار في حدها الأدني يتبقي منها بعد شطب نصف قيمتها كخسائر أصول قائمة لا تقل بأي حال من الأحوال عن‏2,5‏ تريليون دولار يملك الجزء الأكبر منها أربع دول خليجية تحديدا هي دولة الامارات العربية المتحدة التي قدرت المصادر الغربية أصول صناديقها الاستثمارية السيادية قبل الأزمة والكارثة بنحو تريليون دولار ثم يأتي بعدها المملكة العربية السعودية والكويت وقطر‏.‏

وبقدر ما كان الجو السياسي المحيط بالقمة مشحونا وساخنا ومتوترا بتصاعد الخلافات العربية العربية بقدر ما كان الجو الاقتصادي في دول الخليج العربي وفي مقدمتها الكويت مشحونا وساخنا ومتوترا بالتفاعلات الاقتصادية الداخلية‏,‏ وفي اسبوع القمة واصلت بورصة الكويت انخفاضاتها الحادة والمدوية‏,‏ وكانت هناك ثلاثة أسهم فقط في التداول تزيد قيمتها عن الدينار الكويتي وغالبيتها تدني سعره لربع الدينار‏,‏ وأصبح الخط الأحمر يقع تحته مجمل التداولات بأقل كثيرا من القيمة الأسمية للأسهم‏,‏ وفقدت بورصة قطر خلال اسبوع القمة والاسبوع السابق عليه‏32%‏ من قيمة الأسهم السوقية وكانت نفس الحال في بورصة دبي والسعودية ومسقط وكان الحديث في مجلس الأمة الكويتي عالي الصوت من جانب بعض النواب برفض الاعتراف بتمثيل محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وبنفس القدر من الاهتمام كان المجلس يتحدث عن تعويم المقترضين الصغار وصندوق لاعادة جدولة الديون الصغيرة في ظل اتساع ظاهرة التوقف عن سداد مديونيات البنوك وكأن أحاديث سوق المناخ في الثمانينيات عادت لتطل برأسها علي الجميع وكان الشغل الشاغل للصحافة الكويتية بجانب الحديث عن النجاح الفائق للقمة والنتائج المبهرة التي تحققت هو أيضا الحديث عن السوق العقارية ومشاكلها وأزماتها والاستثمارات العقارية وتوقفها وركودها وانخفاض أسعار العقارات وتوجهات انخفاض الايجارات للعقارات التجارية والسكنية وأحوال الركود في الأسواق والمعاملات والأنشطة‏,‏ اضافة إلي متابعة الاحتجاجات للعاملين والعمال وفي مقدمتهم العمال المصريون من عدم صرف مرتباتهم لثلاثة وأربعة أشهر ماضية ووقوفهم أمام الوزارة المختصة طالبين العون والمساعدة‏.‏

وعلي خلاف الأحاديث المرسلة علي امتداد العقدين الماضيين التي تتحدث عن استثمارات عربية بالخارج بما يعني أمريكا وأوروبا في الأساس وبعض الدول الآسيوية كفروع تتراوح قيمتها بين‏800‏ مليار و‏1000‏ مليار دولار كحد أقصي في ضوء ما لحق بها من خسائر ضخمة متوالية وصدمات متتابعة خلال العقود الماضية فإن مؤشرات الجامعة العربية التي يفترض صدورها عن خبراء ومتخصصين تمت تحت بند ما يسمي الاستثمار والتجارة رصدت أن حجم الاستثمارات العربية بالخارج‏1,8‏ تريليون دولار‏,‏ بخلاف حديثها تحت نفس البند عن حجم موجودات الصناديق السيادية بقيمة‏1.694‏ تريليون دولار ويؤخذ في الاعتبار أيضا أن تقديرات صندوق النقد الدولي قد أشارت إلي أن الفوائض المالية لدول مجلس التعاون الخليجي بلغت‏500‏ مليار دولار أي نصف تريليون دولار عام‏2006‏ فقط وهو ما يمكن أن يصل للتضاعف مع عام‏2007‏ وارتفاع أسعار النفط العربية‏,‏ وكأن الثروة كانت تشير إلي الاستثمارات الخاصة وكأن الصناديق السيادية اشارة واضحة للاستثمارات العامة للدول وهو ما يعني قيمة اجمالية للثروة والصناديق تبلغ‏3,5‏ تريليون دولار وهو ما يفوق كثيرا الأحاديث المرسلة والمرتجلة عن الأموال العربية بالخارج ويؤكد حتمية فتح ملفاتها وصولا إلي درجة معقولة ومقبولة من الشفافية الاحصائية والرقمية اضافة للتوصل إلي درجة معقولة من الشفافية تفسر وتوضح تدني وهامشية الاستثمار العربي البيني المباشر وأن قيمته وفقا للجامعة العربية لا تتعدي‏41,8‏ مليار دولار في عشر سنوات‏1997‏ ـ‏2206‏ بمعدل تدفق سنوي‏4,2‏ مليار دولار وهي تدفقات يضاف إلي معناها الكثير المفجع والمحزن في ضوء الكشف الجديد عن المؤشرات الضخمة للاستثمارات العربية الخارجية وأيضا ما انكشف عن ضخامة وهول خسائرها الأخيرة‏.‏

وتتعقد أحاديث الفوائض البترولية والثروات العربية المستثمرة علي امتداد خريطة العالم ودلالات ومعاني عدم مشاركتها بجدية في التنمية العربية علي الرغم من تحول الغالبية العظمي من الدول العربية للأخذ بنظام اقتصاديات السوق والحرية الاقتصادية منذ السبعينيات من القرن الماضي وما تعنيه من سقوط الحجج التقليدية لسيادة ملكية الدول والمفاهيم الاشتراكية علي العديد من اقتصادات الدول العربية ووقوفها عقبة في وجه الاستثمار الخاص المحلي والخارجي مما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل عن قوي الضغط العالمية التي تتحكم في مسار هذه الاستثمارات وتدفقاتها عالميا وكأنها تدخل مناقصات استثمارية دولية بالأمر المباشر الذي لا يمكن الخروج عليه أو عصيانه‏,‏ ويتحول هذا الأمر إلي معضلة استثمارية واقتصادية كبري في ضوء فرص الاستثمار المربح بمعدلات عالية في الكثير من الدول العربية مما رفع حصتها من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي‏62,4‏ مليار دولار في عام‏2006,‏ وتثار في مواجهة هذه الأوضاع المقلوبة تساؤلات جادة عن مسئوليات رأس المال القومية والانسانية والاجتماعية في مواجهة الحقائق المؤلمة والدامية القائلة بأن عدد الفقراء في العالم العربي تحت خط الفقر المدقع الذين يحصلون علي دولار واحد يوميا يصل إلي‏34,7‏ مليون نسمة يمثلون‏18,3%‏ من جملة سكان العالم العربي وأن مخزون الفقر الذي يعتبر القنبلة الموقوتة شديدة الانفجار يضم أيضا‏78,6‏ مليون نسمة يقعون دون خط الفقر بدخل دولارين في اليوم كمتوسط ويشكلون‏26%‏ من جملة السكان وهو ما يعني بالحساب النهائي أن‏44,3%‏ يقعون تحت خط الفقر وخط الفقر المدقع وكأن ما يقرب من نصف سكان العالم العربي في دائرة الفقر المقيتة والمميتة ويكشف ذلك بوضوح عن الفجوة العربية العميقة والحادة بين الأغنياء العرب وبين الفقراء العرب والفوارق الضخمة والمهولة في أوضاعهم وظروفهم وامكانياتهم‏.‏

وبالرغم من هذه الفوارق الضخمة بين الدول العربية الغنية والفقيرة فإن القمة العربية الاقتصادية تجاهلت عمليا وواقعيا الوقائع الاقتصادية الملزمة والاجبارية في مختلف صور وأشكال وتجارب التكامل الاقتصادي علي امتداد خريطة العالم خاصة في تجربة السوق الأوروبية المشتركة وصولا إلي قيام الاتحاد الأوروبي والوحدة النقدية‏,‏ ووصل التجاهل إلي ذروته عند الحديث عن مشروعات الربط البري بين الدول العربية بالسكك الحديدية باعتبارها عمودا فقريا للتكامل والتعاون‏,‏ حيث تضمن القرار تنفيذ المشروع في نطاق كل دولة علي أسس تجارية وكأن السكك الحديدية علي امتداد خريطة العالم المتقدم والنامي علي السواء وحتي في أمريكا وبريطانيا وفرنسا تعتبر مشروعا تجاريا مربحا قائما بذاته وأنها لا تحتاج واقعيا وفعليا في كل هذه الدول لمساندة مباشرة وغير مباشرة من الحكومات لضمان أن يحقق النشاط عائدا ويضمن في الوقت نفسه تكاليف معقولة لنقل الركاب والبضائع تحافظ علي تنافسية النقل بالسكك الحديدية ووصلت الكوميديا السوداء للقرار إلي ذروتها بالحديث عن قيام القطاع الخاص‏,‏ بالتنفيذ كمشروع تجاري‏,‏ وكأن واقع التباين بين أوضاع الغني وظروف الفقر العربية للدول وللمواطنين لا يعني تباينا مماثلا في نطاق القطاع الخاص يضاف إلي ذلك أن تعقيدات الحركة للأفراد والبضائع تصيب مشروع النقل البري بالسكك الحديدية في مقتل وتجعله غير تجاري منذ اللحظة الأولي‏.‏

المعوقات الاقتصادية والتجارية‏..‏ والسلبيات الاستثمارية والتنموية

وبعيدا عن مناخ الظاهرة الصوتية العربية التي تتفنن في قلب المنطق الصحيح والسليم رأسا علي عقب وتصنع نتائج باهرة من مقدمات بائسة فإن تفهم الواقع الفولكلوري للتعاون الاقتصادي والتكامل العربي لابد وأن يرتكز إلي الحقائق الصادمة للمؤشرات الاحصائية‏,‏ وما تقدمه من مقارنات بين الحال العربي والحال العالمي والاقليمي للتجارب التكاملية للجادة والعملية وقد قدم الرئيس محمد حسني مبارك في كلمة وجهها إلي الجلسة الختامية للقمة والقاها الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري التشخيص الدقيق للداء الاقتصادي العربي‏,‏ وحدد بالتالي منطلقات الاصلاح والعلاج اللازمة مؤكدا رسالة مصر الحضارية والتنويرية في الاقتصاد كما قدمها في الجلسة الافتتاحية في السياسة شارحا الموقف العربي والتجاذبات وحقيقة الصراعات ومعانيها ودلالاتها وتأثيرها علي مجري الأحداث في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد‏.‏

وقد وصفت كلمة الرئيس مبارك بمنتهي الشفافية والوضوح مستوي التفاعل الاقتصادي البيني بين الدول العربية وحددت واقعة الراهن بأنه واقع متدن حيث لا يتعدي معدل التجارة العربية البينية‏10%‏ إلي‏12%‏ من إجمالي التجارة العربية الخارجية في حين أن معدل التجارة البينية في اطار الاتحاد الأوروبي يتعدي‏60%‏ وفي اطار تجمع النافتا لدول القارة الأمريكية يبلغ‏45%‏ أما في اطار تجمع الآسيان للدول الآسيوية فيبلغ‏33%‏ وفي سياق مستوي التفاعل الاقتصادي العربي المتدني فإن الاستثمارات العربية البينية تتراوح قيمتها ما بين‏14‏ إلي‏16‏ مليار دولار‏,‏ كما أن معدل السياحة العربية البينية بدوره أيضا متواضع يتراوح بين‏37%‏ إلي‏46%‏ مقارنة بمعدل‏88%‏ للسياحة البينية الأوروبية من مجمل التدفق السياحي بدولها‏,‏ وكذلك الحال في دول منطقة آسيا والباسفيك والتي تصل السياحة البينية إلي‏79%‏ من مجمل الحركة السياحية بدول هذه المجموعة‏.‏

وبالمفهوم الاقتصادي البسيط فإن السوق الكبيرة تعطي الفرصة الأكبر والأفضل لمزيد من الأرباح وبمعدلات مرتفعة لأصحاب الأعمال في ظل مزايا الحجم الكبير للمشروع وما يحققه من وفورات داخلية وخارجية‏,‏ ومع سوق عربية ضخمة يبلغ عدد سكانها‏328,6‏ مليون نسمة يشكلون‏5,01%‏ من سكان العالم وفقا لاحصائيات عام‏2007‏ ومساحة جغرافية كبيرة تبلغ‏5,3‏ مليون ميل مربع تمثل‏10,23%‏ من إجمالي مساحة العالم فإن تحرير وتسهيل حركة الأفراد والسلع والبضائع والأموال والاستثمارات يصب بالدرجة الأولي في خانة القطاع الخاص‏,‏ وفي مقدمته أصحاب الفوائض والأموال من خلال قاعدة عريضة من الشركات والمنشآت والأعمال تحت مظلة تكاملية حقيقية ومع التركيز علي التكامل الخليجي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي فإن الافتقار للسوق الكبيرة مع محدودية قاعدة السكان الأصلية التي تملك القدرة الشرائية الحقيقية‏,‏ وكذلك مع محدودية العمالة الوافدة مقارنة بالمحيط العربي الكبير المزدحم بالسكان لا يتيح الفرصة اللازمة والمطلوبة لانتعاش الأعمال والمعاملات بقيم ضخمة وكبيرة وهو ما يحتم أن يتم التكامل علي النطاق العربي الواسع والكبير حتي لو تمت النظرة إلي التكتل الخليجي باعتباره نواة وباعتباره محور مؤشر أكثر قدرة علي التفاعل والاندماج بمعدلات أعلي من المجموع الكلي العربي‏,‏ وهذا ما تم في تجربة السوق الأوروبية المشتركة حيث تسارعت خطوات السوق بين دول الأراضي الواطئة هولندا ـ بلجيكا ـ لوكسمبورج باعتبارها وحدة جغرافية واحدة وتباطأت عجلة التحرك مع الدول الأقل تقدما متمثلة في اسبانيا ـ البرتغال ـ اليونان وتم مساعدتها من الدول الغنية للنهوض والاصلاح والتقدم لتحقيق المعدلات المطلوبة والمنشودة المؤهلة للانضمام الكامل للسوق‏,‏ ووفرت لها السوق من خلال الدول الغنية مئات المليارات من الدولارات للنهوض والإصلاح والانتعاش‏.‏

وحتي في نطاق الوحدة النقدية والعملة الموحدة باعتبارها خطوات متقدمة للوحدة والاندماج‏,‏ فإن هناك درجة عالية من المرونة في التعامل مع الدول الأعضاء تسمح لبريطانيا بأن تستمر حتي الآن خارج نطاق اليورو‏,‏ وتحافظ علي عملتها الوطنية الاسترليني‏,‏ ولم تنضم سويسرا إلا مؤخرا ومازالت تحافظ علي عملتها الفرنك مما يعكس مرونة التكامل الاقتصادي بشرط الاتفاق الواضح علي سياسات التأهيل والتكاليف اللازمة والتوقيتات الزمنية المحددة حتي لا تضيع البوصلة‏,‏ ويتحرك الجميع عمدا إلي المجهول ويصبح السراب نجمتهم السماوية التي تقودهم دوما إلي التيه والضياع‏.‏

***‏

لا ترتبط العقد المعطلة للتكامل الاقتصادي العربي والوصول إلي مرحلة الاتحاد الاقتصادي والنقدي بعدم توافر الظروف الملائمة والمناسبة‏,‏ كما لا ترتبط بتنافر المصالح الاقتصادية والتجارية والمالية العربية بدرجة كبيرة ومرتفعة‏,‏ ولكنها ترتبط بغياب الإرادة السياسية الموحدة القادرة علي فصل الخلاف السياسي عن المصالح الاقتصادية العليا للعالم العربي والتي لا يمكن تحقيقها وضمانها إلا بالإسراع بالتكامل الاقتصادي بخطوات معروفة ومتعارف عليها نزولا علي منطق العالم الحديث الذي لا يعترف بحيازة المنافع والأرباح والغنائم إلا للقوي الكبري القادرة دائما علي أن تضيف المزيد والمزيد إلي عناصر قوتها وبمعدلات عالية ومرتفعة‏,‏ وعلي امتداد فترة زمنية متصلة مثبتة جدارتها وأهليتها في السباق والمنافسة العالمية حامية الوطيس‏.‏

ويستحيل الحديث عن القوة في العالم المعاصر بمفهوم القوة الاقتصادية فقط لا غير بحكم أن دائرة الصراع حول امتلاك القوة عالميا تشمل بشكل قاطع امتلاك كافة عناصر القوة الشاملة وفي مقدمتها القوة العسكرية وسبق دخول الصين والهند نادي القوة الاقتصادية وبروزهم المباشر في حلبة الصراع الاقتصادي العالمي أن تحقق لهم شرط الدخول إلي نادي القوة العسكرية وامتلاك قدرات نووية رادعة وقدرات صاروخية رادعة بكل ما يعنيه ذلك من امتلاك قدرات علمية وتكنولوجية متقدمة وقاعدة عريضة ومتطورة من المعارف العلمية المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها في كل المجالات والميادين والقطاعات بغير فصل تعسفي يدفع العقول إلي غيبوبة الوهم وسوء الفعل والقرار؟‏!‏

0 تعليقات