إسلام أون لاين 

الاربعاء 3 يونيو 2009

* ممدوح الولي 

رغم الطابع السياسي لزيارة الرئيس الأمريكي للقاهرة، والتي تكتسب قيمتها من اختياره مصر كمكان لإلقاء خطاب للعالم الإسلامي وعد به خلال حملته الانتخابية، فإن الاقتصاد يفرض نفسه على الأجواء، وكانت الزيارة السريعة التي قام بها وزير التجارة المصري إلى واشنطن وتوقيعه اتفاق شراكة مع الممثل التجاري الأمريكي أبرز دليل على حرص الحكومة المصرية على الاستفادة اقتصاديا من الزيارة.ولكن هل تستطيع الحكومة المصرية تحقيق هذا الغرض؟

بادئ ذي بدء لن يكون مطروحا خلال الزيارة مناقشة قيام منطقة تجارة حرة بين مصر وأمريكا، ليس بسبب الأداء الديمقراطي للإدارة المصرية، والذي سبق وتذرعت به إدارة بوش لحرمان مصر من هذه الميزة، رغم توقيعها اتفاقات تجارة حرة مع البحرين والأردن والمغرب وسلطنة عمان، ولكن لأن أوباما نفسه يرفض فكرة إقامة مثل هذه المناطق، وكان يقف منها موقفا معارضا خلال برنامجه الانتخابي، دفعه فور الفوز بالانتخابات إلى وقف المفاوضات بين أمريكا وكوريا الجنوبية وبنما، والتي كانت تستهدف إقامة منطقة تجارة حرة معهما.

إذن، فالأمل معقود على توقيع اتفاقيات لزيادة الصادرات والاستثمارات والوفود السياحية وكذلك حجم المعونة الأمريكية.. فهل يمكن تحقيق ذلك؟

الإجابة تقتضي الوقوف على الوضع الراهن، حتى نستطيع استشراف المستقبل، ولكن للأسف فإنه من الصعب تحديد معالم هذا الوضع الراهن، في ظل تضارب الأرقام الذي يشمل تلك المتعلقة بالصادرات والاستثمارات.

ثلاثة مصادر بأرقام مختلفة

ففي الجانب الخاص بالصادرات المصرية لأمريكا تشير أرقام جهاز الإحصاء المصري إلى أنها بلغت خلال عام 2008 حوالي 1.281 مليار دولار، وهي البيانات المأخوذة من حركة السلع عبر الجمارك، والتي يعتمد عليها البنك الدولي في تقاريره الدولية.

لكن هذه الأرقام تقفز إلى 108ر9 مليارات دولار حسب البنك المركزي المصري الذي يعتمد على التدفقات النقدية لقيمة السلع الصادرة والواردة، في حين يبلغ الرقم 2.371 مليار دولار حسب البيانات الأمريكية.

ونفس التضارب تجده في قيمة الواردات المصرية من أمريكا فهي  5.678 مليارات دولار حسب جهاز الإحصاء، و9.049 مليارات حسب البنك المركزي المصري، و6.031 مليارات حسب البيانات الأمريكية.

والنتيجة أن التجارة المصرية الأمريكية تحقق عجزا مصريا حسب جهاز الإحصاء يبلغ 4.397 مليارات دولار، كما يبلغ 3.660 مليارات حسب البيانات الأمريكية، في حين تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى تحقيق مصر فائضا في تجارتها مع أمريكا بلغ 59 مليون دولار.

ووفقا لهذه الأرقام، فإن النصيب النسبي لصادرات مصر إلى أمريكا يبلغ أقل من 5% من إجمالي صادرات مصر إلى دول العالم، بينما تصل النسبة إلى 30.5 حسب البنك المركزي المصري.

وعلى الجانب الآخر وحسب البيانات الأمريكية فإن واردات أمريكا من مصر لا تشكل سوى نسبة 0.1% أي واحد بالألف من قيمة الواردات الأمريكية من دول العالم، في حين يصل نصيب الصادرات الأمريكية إلى مصر نسبة 0.7% من إجمالي صادرات أمريكا إلى دول العالم.وارتبطت زيادة حجم الصادرات المصرية إلى أمريكا خلال السنوات الأخيرة بتوقيع اتفاقية الكويز، حتى بلغت قيمة الصادرات من خلالها 872 مليون دولار خلال العام الماضي، لكن تلك الصادرات يستحوذ عليها عدد قليل من رجال الأعمال، كما تستفيد منها شركات أجنبية تعمل في مصر، وبما يعني عدم استفادة المصريين وحدهم من تلك الصادرات المعفاة من الجمارك الأمريكية، حيث جاءت شركات تركية وإيطالية للعمل في مصر للاستفادة من الكويز للنفاذ إلى السوق الأمريكية بدون جمارك، وقام بعضها بجلب عمالة آسيوية خاصة مصانع الملابس.

التضارب يشمل الاستثمار

ويتكرر تضارب الأرقام ما بين مصر وأمريكا فيما يخص الاستثمارات الأمريكية في مصر، فحسب بيانات الهيئة العامة للاستثمار المصرية في يونيو 2007، فإن الأمريكيين يساهمون في 359 شركة في مصر بقيمة 457 مليون دولار، بينما تشير بيانات البنك المركزي إلى بلوغ قيمة الاستثمارات الأمريكية في مصر حوالي 4.7 مليارات دولار خلال نفس العام.

وعلى الجانب الآخر تشير البيانات الأمريكية إلى أن تراكم الاستثمارات الأمريكية في مصر بلغ حتى عام 2007 نحو 7.513 مليارات دولار، منها 1.002 مليار دولار خلال عام 2007 وحده، وهو الرقم الذي يصل إلى 4.7 مليارات حسب البنك المركزي المصري.

ومع خروج استثمارات مباشرة من الولايات المتحدة إلى بلدان العالم عام 2007 بلغت قيمتها 314 مليار دولار، فإن نصيب مصر منها خلال العام حسب الرقم الأمريكي يصل إلى 0.3% من الإجمالي الأمريكي، وترتفع النسبة إلى 1.5% حسب الرقم المصري لتلك الاستثمارات الواردة إليها من أمريكا.

ويستمر اللغط كذلك في بيانات التحويلات الخاصة الواردة لمصر والتي تعتبر التحويلات الواردة من أمريكا هي الأكبر، حيث بلغت خلال عام 2008 حسب البنك المركزي المصري 2.582 مليار دولار تشكل نسبة 30 % من إجمالي التحويلات الخاصة الواردة من دول العالم إلى مصر، وبنسبة نمو 1% عن التحويلات الخاصة التي جاءت لمصر من أمريكا خلال عام 2007 والبالغة 2.556 مليار دولار.

لكن الخبراء يرجعون ضخامة الرقم الأمريكي وزيادته عن أرقام التحويلات الواردة من دول الكويت والسعودية والإمارات التي تكثر العمالة المصرية بها، إلى نظم التحويلات المصرفية التي تتطلب مرورها على جهات أمريكية في إطار مراقبة أمريكا للتحويلات عبر العالم.

فقد يرسل عامل مصري يعمل بدبي مبلغا لأسرته بمصر، لكن التحويل الذي يجب أن يمر على شبكة السويفت الدولية يظهر على شاشة البنك المصري المتلقي للتحويل على أنه قادم من الولايات المتحدة.

وفيما يخص السياحة الأمريكية الواردة إلى مصر، فحسب بيانات وزارة السياحة المصرية احتلت الولايات المتحدة المركز التاسع بين دول العالم، بنصيب ثلاثمائة ألف سائح وهو ما يشكل نسبة 2.3% من إجمالي عدد السياح الواصلين لمصر والبالغ 12.8 مليون سائح، وكان إجمالي نصيب كل دول الأمريكتين من الليالي السياحية المصرية خلال العام المالي 2007/2008 قد بلغ  478 ألف ليلة سياحية، بنسبة 3.9% من إجمالي عدد الليالي البالغ 127.4 مليون ليلة سياحية.

خفض مستمر للمعونة

أما بالنسبة للمعونة الأمريكية لمصر فقد تم الاتفاق عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد على تقديم أمريكا مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية لمصر، بما يعوضها عن فقد المعونات العربية التي كانت تتلقاها قبل توقفها بسبب توقيع الاتفاقية.

وكان الاتفاق ينص على تقديم مساعدة عسكرية سنوية 1.3 مليار دولار ومساعدة اقتصادية 850 مليون دولار، مع الاجتماع بين الطرفين كل عشر سنوات لمراجعة النتائج والاحتياجات ووضع المبالغ المناسبة للمشروعات المستقبلية.

وفي عام 1998 تم الاتفاق على بقاء المعونة العسكرية كما هي، وخفض قيمة المعونة الاقتصادية 15% سنويا أي بحوالي 50 مليون دولار حتى تصل 415 مليون دولار عام 2008، وهو ما حدث بالفعل، لكنه لأسباب سياسيه تم خفض قيمة المعونة الاقتصادية إلى 200 مليون دولار فقط لعام 2009.

وهكذا حصلت مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وحتى الآن على نحو 40 مليار دولار معونات عسكرية أمريكية، وعلى 28 مليار دولار مساعدات اقتصاديه اتجهت لمشروعات المياه والصرف الصحي ومحطات الكهرباء والتعليم والتنقيب عن الآثار والطرق والكباري والتليفونات.

وبمقارنة المعونات الأمريكية الاقتصادية خلال العام المالي 2007 / 2008 البالغة 415 مليون دولار، بحجم إجمالي الموارد البالغ 79.1 مليار دولار من كافة المصادر "الصادرات السلعية والخدمية وخدمات النقل وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والتحويلات الرسمية والخاصة والمتحصلات الحكومية"، فإن ذلك يشير إلى تدني نسبة المعونات الأمريكية إلى حوالي نصف بالمائة فقط من إجمالي الموارد، وهو ما يعني انخفاض النسبة عن ذلك خلال عام 2009 مع انخفاض قيمة المعونة.

فوائد مؤجلة

وهكذا يشير الوضع الحالي حتى مع تضارب الأرقام إلى حدوث تدن في كل المجالات.. فماذا يمكن أن تصنع زيارة أوباما؟

أغلب الظن أنها لن تصنع شيئا في الوقت الراهن، ويمكن القول إن ثمارها الاقتصادية يمكن أن تكون مؤجلة حتى ينصلح حال البيت الأمريكي أولا، فحالة الانكماش التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي تحول دون توسعهم في الاستيراد الذي يمثل بالنسبة لمصر صادرات، خاصة مع سعي الإدارة الأمريكية لتقليل العجز المزمن بالميزان التجاري الأمريكي، كما أن الاستثمارات المباشرة دوليا كامنة بالوقت الحالي في بلادها ولا تتخذ قرارات بالتوسع؛ انتظارا لتحسن الظروف الاقتصادية الدولية، والتي يشير صندوق النقد الدولي أنها لن تتحسن قبل منتصف العام القادم.

وكانت أرقام العام الحالي خير دليل، فبيانات التجارة الخارجية الأمريكية خلال الربع الأول من عام 2009 تشير إلى تراجع قيمة صادرات مصر لأمريكا بنسبة 5.2 %، وكذلك تراجع واردات مصر منها بنسبة 8.5% بما أدى إلى تراجع حجم التجارة بنسبة 8%، بالمقارنة بالربع الأول من عام  2008.

وهو ما يتسق مع التأثر السلبي للاقتصاد الأمريكي نتيجة الركود الذي أحدثته الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي نجم عنها تراجع صادرات أمريكا إلى دول العالم خلال الربع الأول من العام بنسبة 22.4%. وكذلك تراجع قيمة وارداتها بنسبة 30.3% مما أدى لتراجع قيمة تجارتها الخارجية بنسبة 27.3%.

ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للاستثمارات الأجنبية التي تراجعت بمعدل 30% مع بدء اشتعال الأزمة في عام 2008، فوصلت إلى 4.675 مليارات دولار، مقابل 6.7 مليارات دولار عام 2007.

وحتى الثمار السياحية التي كان يمكن الاستفادة بها من زيارة الرئيس الأمريكي واتخاذه القاهرة منبرا لمخاطبة العالم الإسلامي وزيارته بعض المساجد الإسلامية المصرية، فإنها مؤجلة أيضا، حتى تتحسن الظروف الاقتصادية الدولية التي قللت معدلات السياحة دوليا والتي زاد عليها أجواء إنفلونزا الخنازير والطيور، حيث تعد مصر من الدول المرتفعة في معدلات الإصابة بإنفلونزا الطيور.

* صحفي اقتصادي، نائب مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية

0 تعليقات