الوفد المصرية 

الجمعة 13 فبراير 2009

بدء ظهور سلبيات الأزمة العالمية علي الاقتصاد وفشل سياسات الحكومة في التعامل معها 

تحليل ـ عبدالرحيم أبوشامة‮:‬ بدأت سلبيات الأزمة المالية العالمية تظهر ملامحها علي الاقتصاد المصري مع بداية ظهور أرقام فعلية بانخفاض الصادرات الوطنية بنحو‮ »‬4‭.‬5٪‮« ‬في شهر نوفمبر الماضي وارتفاع قيمة الواردات السلعية لأكثر من‮ »‬77٪‮« ‬في شهر واحد،‮ ‬وبدأ التراجع التدريجي في احتياطي النقد الأجنبي لأول مرة منذ عام‮ ‬2005‮ ‬لينخفض بنحو مليار دولار منذ الأزمة وحتي ديسمبر الماضي،‮ ‬كما ظهر التراجع الحاد في ايرادات السياحة ورسوم المرور في قناة السويس،‮ ‬ومازالت الأسواق تعاني فترة الريبة والترقب لما هو آت واستمرار وضع التجارة الداخلية منفصلاً‮ ‬بشكل كبير عما‮ ‬يحدث من تراجع‮ ‬للأسعار في الخارج وجشع التجار وشكوي المنتجين وغياب الرقابة علي الأسواق،‮ ‬رغم ظهور مؤشرات جلية وواضحة بتحقيق خسائر للاقتصاد القومي سيدفع ثمنها الكثيرون في مختلف القطاعات كما سيدفع ثمنها الفقراء والعاطلون وهناك تقديرات متضاربة لحجم الخسائر وانخفاض معدلات التنمويين الحكومة والمؤسسات المالية الدولية والمحللين والخبراء علي المستوي المحلي وهناك توقعات للفقر والبطالة خاصة‮ ‬مع اختفاء فرص العمل حالياً‮ ‬وبقاء التضخم في الأسعار عند معدلاته المرتفعة،‮ ‬رغم الأزمة وهناك انعكاسات سلبية للأزمة أكثر ضراوة علي الفئات المهمشة والوضع الاقتصادي للمرأة المصرية هذا الجانب الذي لم‮ ‬يلق حظه من النقاش بصورة واضحة‮.‬

الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية توقع ان تصل خسائر الاقتصاد المصري الي ما بين‮ »‬25‮« ‬الي‮ »‬30‮« ‬مليار جنيه بسبب الازمة المالية وكانت توقعاته انخفاض معدلات النمو الاقتصادي‮ ‬غير انه قال ان هناك تحدياً‮ ‬امام الحكومة وهو ضرورة الحفاظ علي معدلات الفقر خلال الفترة القادمة،‮ ‬وهذا‮ ‬يأتي من خلال محورين اولهما استمرار تحقيق معدلات نمو جيدة والثاني الحد من زيادة اسعار السلع الاساسية التي‮ ‬يستهلكها الفقراء ومحدودو الدخل كما ان ارتفاع معدلات الغلاء حد كثيراً‮ ‬من الاثار الايجابية لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي علي تحسين أحوال معيشة الفقراء‮.‬

وقد أكدت نتائج تحليل بحث الدخل والانفاق الاخير للفترة من‮ ‬2005‮ ‬وحتي‮ ‬2008‮ ‬مقارنة بالفترة من‮ ‬2000‮ ‬وحتي‮ ‬2005‮ ‬ان معدل التضخم أدي الي ارتفاع تكلفة المعيشة خاصة بين الفقراء حيث ارتفعت تكلفة أرخص سلعة من السلع الغذائية بنحو‮ »‬47٪‮« ‬وهي نسبة اعلي بكثير من نسبة الزيادة في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين المعروف‮ »‬بالتضخم‮« ‬والتي بلغت‮ »‬31٪‮« ‬خلال الفترة من‮ ‬2005‮ ‬وحتي‮ ‬2008‮ ‬وان الارتفاع في النمو خلال الثلاث سنوات الاخيرة كان من الممكن ان‮ ‬يخفض معدلات الفقر بنحو‮ »‬4٪‮« ‬الي‮ »‬5٪‮« ‬لولا الارتفاع الكبير في التضخم خلال هذه الفترة‮.‬

ومع استمرار الازمة والتي لا‮ ‬يستطيع احد التكهن بفترة بقائها علي وجه الدقة وقد تراوحت توقعات بقائها بين سنتين الي سبع سنوات لكثير من المحللين فان معدلات النمو ستكون اقل وفقاً‮ ‬لبقاء الأزمة وبالتالي فان ادعاد الفقراء سوف‮ ‬يتزايد كما ان اوضاع البطالة في ظل التوقف الحالي وطرد العمالة المؤقتة سيكون وضعها كارثياً‮ ‬وسوف تؤثر علي سياسات الحكومة،‮ ‬وكان من الافضل ان تتخذ الحكومة خطوات في هذا المجال لبث الثقة لدي القطاع الخاص وتحمل تبعاتها في الأزمة بالمبادرة بتثبيت العمالة المؤقتة في القطاع الحكومي والأعمال العام ووضع سياسات داعمة للفئات الفقيرة والقطاعات الاقتصادية وقد نبه الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي انه اذا قل معدل النمو عن‮ »‬5‭.‬5٪‮« ‬فسيؤدي الي حدوث تدهور في وضع البطالة واننا نحتاج الي معدل نمو مرتفع لخلق وظائف تكفي الداخلين الي سوق العمل‮.‬

وبالتالي فان امد الازمة العالمية سيحدد مصير الاقتصاد المصري فاذا طالت فانها ستفجر الازمات والمشكلات المالية بما‮ ‬يصعب علاجها أو التعامل معها وأهمها معدلات البطالة والفقر‮.‬

وهناك تقديرات متقاربة للنمو حيث اكد البنك الدولي ان الاقتصاد المصري سيخفف نموه الي‮ »‬4‭.‬5٪‮« ‬في حين بقدره عدد من الخبراء بأنه سوف‮ ‬يصل الي‮ »‬3٪‮« ‬وكل هذه التقديرات ستكون سلبية علي كافة الأوضاع الاقتصادية‮.‬

سياسة رد الفعل وفيما‮ ‬يتعلق بسياسات الحكومة من التعامل مع الأزمة‮ ‬غير انها ردود افعال وليست جرعات مبكرة للقضاء علي المرض فقد جاءت التخفيضات الجمركية الاخيرة علي السلع ضئيلة في القيمة حيث انها تصل الي‮ »‬5٪‮« ‬في أحسن احوالها كما انها اختصت بسلع ليست ضرورية للسوق أو الصناعة الوطنية‮. ‬

وزيادة الحكومة لدعم الصادرات والذي تم اعلانه اخيراً‮ ‬هو رد فعل للانخفاض الذي حدث في الصادرات ولكن الاهم‮ ‬يؤدي هذا لزيادة التصدير وأي القطاعات سوف‮ ‬يوجه لها هذا الدعم؟ ورغم جهود اللقاءات التي‮ ‬يعقدها المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة مع التجار وأصحاب المصاع ونصحهم بتفعيل هامش الربح حتي لا تحدث لهم خسائر في الفترة القادمة من الأزمة إلا أن وضع السوق مازال سيئاً‮ ‬ولم تنخفض سلعة انخفضت بدرجة كبيرة في أسواق دول المنطقة عنها في مصر وبالتالي فان عليه ان‮ ‬يأخذ سياسات جريئة لتصحيح الأوضاع في السوق ويقول‮ »‬نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين‮« ‬وأخيراً‮ ‬اعتمد مجلس الشوري مبلغ‮ »‬13‭.‬2‮« ‬مليار فقط لضخها في موازنة العام الحالي‮ »‬2008‭/‬‮ ‬2009‮« ‬لزيادة الاستثمارات لمواجهة الأزمة وكانت الحكومة قد أعلنت من قبل ان قيمة هذا البرنامج‮ ‬يبلغ‮ »‬15‮« ‬مليار جنيه وبالتالي فان تقدمها بتعديل الاعتمادات‮ ‬يقل بنحو‮ »‬1‭.‬8‮« ‬مليار جنيه عن الاعتمادات المعلنة وهو ما‮ ‬يشير الي أن تصريحات الحكومة في واد وأفعالها الحقيقية في واد مختلف‮.‬

الأسوأ قادم وأكد الدكتور احمد نظيف اخر الاسبوع الماضي أمام مجلس الشوري أن أثار الأزمة العالمية سوف تظهر في عجز الموازنة العامة للعام القادم وهو ما‮ ‬يكشف التأثير الواضح للأزمة الذي خشيت الحكومة اعلانه في بداية الأزمة وهو ما‮ ‬يعني ايضاً‮ ‬أننا مقبلون علي أيام أخري أسوأ في تاريخ حكومة الأزمات وفي توقعات البنك الدولي فان معدل النمو الاقتصادي لن‮ ‬يعاود ارتفاعه قبل عام‮ ‬2010‮ ‬وقدر له ان‮ ‬يصل الي‮ ‬6٪‮.‬

وأكد الدكتور سمير رضوان مساعد المدير السابق لمنظمة المرأة الدولية ان هناك دراسة وضعتها منظمة العمل الدولية عن تأثير الأزمة الاقتصادية قدرت فيها زيادة أعداد العاطلين بنحو‮ »‬20‮« ‬مليون‮ ‬متعطل وهو ما‮ ‬يعني زيادة العاطلين عالمياً‮ ‬الي‮ »‬210‮« ‬ملايين عاطل‮. ‬

والاسبوع الماضي اعلنت الصين عن تعطل نحو‮ »‬20‮« ‬مليون عامل لديها وهو مايشير الي زيادة ارقام المتعطلين عن ارقام الدراسة‮. ‬ وبالنسبة الي مصر لو انخفض معدل النمو الي‮ »‬5‭.‬5٪‮«. ‬

واغلاق فرص العمل علي ما هي عليه الآن فان هناك‮ »‬180‮« ‬ألف فرصة عمل ضائعة‮.‬ وأضاف‮ »‬رضوان‮« ‬ان دخل قناة السويس سوف‮ ‬يتأثر بالأزمة الاقتصادية حيث ستنخفض التجارة الدولية الي‮»‬2٪‮« ‬خلال العام الحالي‮ »‬2009‮« ‬كما ان الناتج المحلي الاجمالي سيقل الي‮ »‬9٪‮« ‬وأن تأثير الأزمة علي العمالة المصرية المغتربة لم‮ ‬يظهر بعد حيث لا توجد بوادر لتقلص الطلب علي العمالة المصرية‮ ‬كما انه لم‮ ‬يتم تقليص مرتبات العاملين المسافرين المرأة ضحية‮ ‬ أما عن تأثير الأزمة علي المرأة ضحية الأوضاع الاقتصادية للمرأة المصرية فان المرأة في كافة الأزمات في الصف الأول لتلقي الصدمات الخارجية نظراً‮ ‬لضعف واقعها الاقتصادي بشكل عام والعوامل الثقافية الموروثة وهناك نوعان من تأثير الأزمة علي المرأة أحدهما التأثير المباشر للأزمة والذي سوف‮ ‬يجعلها خارج سوق العمل حيث ان السمة الأساسية لسوق العمل المصري هو تدني مساهمة المرأة في قوة العمل والتي لا تزيد علي‮ »‬24٪‮« ‬رغم وجود أعداد كبيرة من النساء‮ ‬يعملن ولكن بعائد منخفض جداً‮ ‬بسبب زيادة الأمية بين النساء والتي تشكل ضغطاً‮ ‬في الحصول علي وظائف وهي فئة أكثر تعرضاً‮ ‬للتقلبات الاقتصادية المحتملة لانهن‮ ‬يعملن بقطاع العمل‮ ‬غير المنتظم والعمل الريفي ولدي الأسرة وسيزداد الوضع سوءاً‮ ‬لو تأثرت الميزانية العامة للدولة وسيزداد معدل بطالة المرأة‮.‬

وقال رضوان ان هناك سيناريوهين لحل مشكلة الفقراء والمرأة علي حد سواء أولهما استراتيجية البقاء وثانيهما استراتيجية تدعيم مصدر الدخل والتشغيل الحقيقية والتي اتبعتها الصين الخاصة باتخاذ سياسات تؤدي الي زيادة الطلب في المستقبل وهو الأمر الذي‮ ‬يمكن المرأة المصرية من التعامل معه لخلق اقتصاد نسوي كما فعلت المرأة الآسيوية والاستفادة بالتجربة الهندية‮ ‬من خلال توفير نسبة‮ »‬5٪َ‮« ‬لاقراضها في المشروعات الخاصة وعلي فترات طويلة‮.‬

تفاؤل حذر وعن وضع المرأة في الأزمة وقبلها من واقع البنوك والتمويل المصرفي فقد اكد محمود عبداللطيف رئيس مجلس ادارة بنك الاسكندرية انه متفائل بالازمة الاقتصادية الحالية وانها سوف تجعلنا ننزل من قمة الفقاعة التي نعيش فيها الي المستوي الحقيقي وانها لن تؤثر علي مصر من الناحية المصرفية وأن الحل الأمثل للخروج من آثارها السلبية هو التوجه نحو المشروعات متناهية الصغر مشيراً‮ ‬الي أن بنك الاسكندرية استطاع خلال عام ونصف العام منذ بداية عام‮ ‬2007‮ ‬مد خدمة‮ »‬120‮« ‬الف عميل حصلوا علي قروض تراوحت بين‮ »‬5‮« ‬آلاف و‮»‬25‮« ‬ألف جنيه منهم عشرة مشروعات تحولت الي مشروعات متوسطة بعد ان كانت متناهية الصغر الا ان نسبة الاموال التي تم توجيهها للمرأة كانت اقل من‮ »‬1٪‮« ‬وذلك لعدم القدرة علي الوصول الي المرأة وهو ما‮ ‬يتطلب مشاركة الجمعيات الأهلية‮.‬

وأخيراً‮ ‬فانه لن‮ ‬يكون هناك خير‮ ‬يصل الي الفقراء الا اذا تدخلت الدولة بطريقة اكثر جرأة لان الوضع معقد فلا توجد دولة بها تضخم مرتفع بدرجة كبيرة مثل هذه المعدلات ودخول أفرادها ضئيلة في نفس الوقت واسواقها‮ ‬غير منضبطة ولديها انكماش في ضخ الائتمان ومعدلات فائدة مرتفعة‮ ‬علي الاقراض وسلبية علي الودائع ولديها بطالة وفقراء وأميون‮..‬ قد‮ ‬يكون الآتي صعباً‮ ‬ويتطلب سرعة التدخل واخلاص النوايا في إدارة الأزمة‮.‬

0 تعليقات