القبس الكويتية  
الجمعة 31 أكتوبر 2008

قلما تستوحي البيانات الاقتصادية افكارا شاعرية. لكن كنت اتأمل في الأرقام الاقتصادية، وتذكرت قصيدة ويليان بالتر ييتس التي تتحدث عن الانهيار وعن تماسك المركز الذي يتحكم بكل شيء.

وأقصد بالانهيار هنا الأزمة المالية التي بات من الصعب التحكم بها. ولم يعد بوسع وزير الخزانة الاميركي هنري بولسون السيطرة على اتساع مداها.

بل ان الازمة اخذت بالانتشار عبر طرق جديدة ومخيفة في الوقت ذاته. وكلما حاول بولسون ونظراؤه في بلدان اخرى التحرك لانقاذ البنوك، ظهرت تداعيات وكوارث اخرى في اتجاهات اخرى لم تكن في الحسبان.

وبعض هذه الكوارث كان متوقعا حدوثها بدرجة كبيرة او اقل . ويتساءل اقتصاديون في بعض الاحيان عن سبب عدم تأثر صناديق التحوط كثيرا وسط هذه المعمعة.

لكن لماذا التساؤل مطولا والمستثمرون سحبوا أموالهم من هذه الصناديق، واجبروا مديري الصناديق على جمع الاموال النقدية من خلال البيع السريع لأسهم وأصول اخرى.

ومع ذلك، فإن الصدمة الحقيقية كانت في الطريقة التي انتشرت فيها الأزمة في الأسواق الناشئة مثل روسيا وكوريا والبرازيل.

في قلب الأزمة

فهذه البلدان كانت في قلب الازمة المالية العالمية الأخيرة في نهاية التسعينات، لكن ما حدث في الماضي لا يقارن بما يجري اليوم.

واستجابت هذه البلدان لتلك الخبرة من خلال بناء مصدات من الدولارات واليورو، التي من المفروض ان تحميهم في حال رفع حالة الطوارئ مستقبلا.

ولم يطل الأمر كثيرا حتى بدأ كل واحد يفكر في عملية فصل الاسواق الناشئة عن الأسواق العالمية، والقدرة المفترضة لاقتصاديات الاسواق الناشئة في الاستمرار بالنمو في حالة سقوط الولايات المتحدة في الركود.

لكن عملية الفصل ليست خرافة، هكذاطمأنت مجلة الإيكونوميست قراءها في عدد مارس الماضي عندما قالت ان الاقتصاديات الناشئة قد تنقذ الاقتصاد العالمي.

هذا كان في السابق، اما الآن فالاسواق الناشئة في ورطة كبيرة. ويقول في هذا الصدد كبير الاقتصاديين المختصين بالعملات في مورغان ستانلي ستيفن جين ان الاسواق الناشئة قد تتحول لمركز ثان لزلزال الازمة المالية.

في التسعينات، كانت حكومات الاسواق الناشئة عرضة لاي أزمة بسبب اقتراضها من الخارج، وعندما توقفت التدفقات النقدية بالدولار، كانت مندفعة الى شفير الهاوية.

ومنذ ذلك الحين اصبحت هذه الحكومات تتعامل بحذر وتعتمد بشكل رئيسي في اقتراضها على الاسواق المحلية، في الوقت الذي كانت تكدس الكثير من الاحتياطيات بالدولار الاميركي.

لكن تحوطها وحذرها ذهب ادراج الرياح مع عدم مراعاة قطاعها الخاص للمخاطر. في روسيا، على سبيل المثال، تدافعت المصارف والشركات للاقتراض من الخارج، بسبب انخفاض معدلات الفائدة على الدولار الاميركي من معدلات الروبية.

وبما أن الحكومة الروسية كانت تكدس كنزاً هائلاً من عملات الصرف الأجنبية، كانت الشركات والمصارف الروسية تدير ديوناً أجنبية هائلة بالتساوي مع العملات الأجنبية. مما أدى إلى تلاشي حدودها الائتمانية، وبالتالي أصبحت في مفترق طرق. وغني عن القول ان المشاكل الموجودة حالياً في النظام المصرفي، إلى جانب المشاكل الجديدة في صناديق التحوط والأسواق الناشئة تعزز بعضها البعض.

الأخبار السيئة

والأخبار السيئة لا تنجب إلا الأخبار السيئة، ودائرة الألم لم تستمر بالتوسع. في غضون ذلك، لا يزال صانعو السياسة الأميركيون عالقين في حيرة من أمرهم حيال اتخاذ الأدوات الضرورية لاحتواء الأزمة.

وكانت الأخبار سارة عندما وافق بولسون أخيراً على ضخ رأسمال في النظام المصرفي لقاء ملكية جزئية.

لكن في الأسبوع الماضي أشار جو نوسرا في مقال نشر له في التايمز إلى ضعف أساسي في خطة إنقاذ الخزانة الأميركية، إذ انها لا تتضمن أي وقاية في حال احتفظت المصارف بالأموال دون تأدية أغراضها. وعلى عكس الحكومة البريطانية التي تفرض وجود تعهد بمتطلبات الاقتراض مقابل ضخ رؤوس الأموال، يبدو أن الحكومة الأميركية خائفة من القيام بأي شيء عدا التذرغ. ومما لا شك فيه أن البنوك ستدخر هذه الأموال.

أصول خطيرة

لكن هناك أمورا غريبة تحدث بالنسبة لما يتعلق بسوق الرهون العقارية. وأعتقد حسب ظني أن الاستحواذ الفدرالي على فاني ماي وفريدي ماك لم يكن إلا لتبديد المخاوف حيال عدم قدرتهم على الإيفاء، وبالتالي تخفيض معدلات الرهون العقارية.

لكن المسؤولين الكبار ينكرون أن سبب استحواذ الحكومة على هاتين المؤسستين مدعوم بإيمان وائتمان كامل للحكومة الأميركية. ونتيجة لذلك، لا تزال الأسواق تعامل ديون هاتين المؤسستين على أنها أصول خطرة، الأمر الذي يقود معدلات الرهون العقارية نحو الارتفاع في الوقت الذي يجب أن تنخفض.

إذاً، ما الذي يحدث؟ أنا أشك ان ايديولوجية إدارة بوش التي ترفض تدخل الحكومة ما زالت تعارض اتخاذ أي خطوات فعالة.

فالأحداث الأخيرة أجبرت بولسون على قبول التأميم الجزئي للنظام المالي، لكنه رفض استخدام القوة التي تصحبها الملكية.

ومهما كانت أسباب ضعف السياسة المستمر، يبدو بوضوح ان الوضع يسير باتجاه لا يمكن السيطرة عليه. وأن الأشياء مستمرة بالانهيار.

0 تعليقات