الأموال العربية في دوامات نزيف الأزمة العالمية

خسائر الصناديق السيادية الحكومية‏..‏

وتراجع البورصات والاستثمارات الخاصة

بقــــــلم‏:‏ أســـامــــة غــــيــث

من باب اليقين الاقتصادي ـ وليس من أبواب المبالغة الانفعالية ـ يمكن القول أن كافة دول العالم بغير استثناء قد تأثرت بالأزمة المالية العالمية بدرجات متفاوتة وبصور وأشكال متعددة ترتبط بدرجة الاندماج في الاقتصاد العالمي وأسواقه المالية‏,‏ كما يمكن التأكيد علي أن الخسائر الناجمة عن تأثيرات ونتائج الأزمة المرتبطة بالتباطؤ الاقتصادي العالمي والركود وتقلبات أسعار الأسواق المالية والتجارية لم تكتمل ملامحها وأبعادها حتي هذه اللحظة‏,‏ يضاف لذلك أن عالم الغد الأكثر تشددا وتقييدا للأسواق والمعاملات والأقل غني وثروة والأقل في فوائض الأموال وعوائدها لابد وأن يصيغ عالما جديدا تحكمه منظومة جديدة من العلاقات والحسابات والتوازنات لابد وأن تكون لها انعكاساتها الواضحة علي كافة الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية العالمية ويحكم هذه الانعكاسات مؤشر عام قوي يؤكد أن زمن الأرباح السهلة قد ولي وانتهي وأن زمن الأرباح الصعبة يدق كافة الأبواب بكل العنف والشدة‏.‏

ولاتقتصر الأزمة في تداعياتها علي مجرد الخسائر المهولة والفادحة لأسواق المال ولكن الخطورة الشديدة ترتبط بدفعها للدول الي تجاوز كل الخطوط الحمراء الحاكمة للعلاقات الاقتصادية والتجارية حتي مع الدول الصديقة والمثال المثير يرتبط بتطبيق بريطانيا لقوانين مكافحة الإرهاب وهي قوانين استثنائية وطارئة ومقيدة في نفس الوقت ضد أيسلندا الدولة الأوروبية بهدف الحجز علي أصول وأموال الشركات الأيسلندية العاملة في بريطانيا حماية للمليارات من الدولارات التي تمثل إيداعات لأطراف بريطانية في بنوك ايسلندية سيطرت عليها الحكومة هناك وتكشف هذه القصة المهمة طبيعة خسائر الأموال الخارجية في كافة المؤسسات والبنوك الأمريكية والأوروبية حيث ترتكز خطط الإنقاذ العاجلة علي تأمين وحماية حقوق المواطنين بالدرجة الأولي

وتتغاضي بصورة شبه كاملة عن تأمين حقوق الأجانب من غير المواطنين وتنص صراحة علي عدم ضمان أموال الدول الأخري سواء كانت أموالا تخص الصناديق السيادية المملوكة للحكومات أو غيرها من الصور والأشكار وهو ماتضمنته خطة الانقاذ المالي الأمريكي التي أقرها الكونجرس بشكل صريح وواضح‏ ولايفسر ذلك فقط ضخامة خسائر الأموال العابرة للقارات والدول ولكنه يفسر أيضا حالة الذعر الشديد وعدم الثقة المفرطة نتيجة للصدمة المفجعة في حجم الأزمة وفي معالجات الأزمة بكل ماتلقيه بظلال دامية علي مستقبل حركة الأموال في العالم والتي يقدرها بنك التسويات الأوروبي الدولي بنحو‏4‏ تريليونات دولار يوميا وانعكاس الفزع علي معاملات الأسواق واستقرارها في المستقبل القريب والبعيد‏.‏

الصناديق السيادية‏..‏ والخسائر الموجعة

وتقدم حالة الهلع والارتباك التي تحيط بمعاملات وأعمال الصناديق الاستثمارية السيادية المملوكة للدول نموذجا متكاملا عن حالة الفوضي الراهنة والمستقبلية في أسواق المال العالمية وتفسر حقائق عدم الاستقرار المتوقعة في الأجل القصير والمتوسط والحاجة الضرورية لاتخاذ إجراءات دولية من شأنها أن تعيد الاستقرار في الأجل الطويل علي أفضل الفروض‏,‏ ويوضح تلك الحقائق المتغيرات العاصفة التي لحقت بتوزيع استثمارات هذه الصناديق حيث بلغت في أمريكا الشمالية وأمريكا وكندا‏39%‏ من مجمل الاستثمارات في الربع الأول من العام الحالي وانخفضت بشكل حاد الي‏0,3%‏ في الربع الثاني وفي المقابل ارتفعت استثماراتها في دول آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط الي‏58%‏ في الربع الثاني مقابل‏43%‏ في الربع الأول‏.‏

وبالنسبة لتوزيع الاستثمارات وفقا للقطاعات الاقتصادية المختلفة فإن مجلة النيوزويك الأمريكية ترصد أن هذه الصناديق كانت توجه‏74%‏ من استثماراتها في الربع الأول من العام الحالي لقطاع الخدمات المالية وتراجعت النسبة الي‏15%‏ فقط مع الربع الثاني ولكن هذا التراجع اتجه الي قطاع متفجر يتمتع بدرجة مخاطر عالية للغاية‏,‏ وكان بالفعل قد دخل الي دائرة الأزمة الحادة وهو قطاع العقارات حيث ارتفعت استثمارات هذه الصناديق الي‏51,7%‏ من إجمالي استثماراتها في الربع الثاني بعد أن كانت لاتتعدي‏3,7%‏ في الربع الأول من العام الحالي مما يكشف عن ضخامة خسائرها لحظة تفجر الأزمة وتفاقمها بعد الشهر الأول من بداية الربع الثالث من العام

وهو مايمكن أن يتدرج تحت بند الألغاز والأسرار في أسواق المال والاستثمار العالمية والحسابات المضللة والضغوط التي قادت الكثيرين الي قاع الخسارة والضياع المالي خاصة أن الفقاعة العقارية الأمريكية والفقاعة العقارية البريطانية تعرضتا للانفجار المدوي في أغسطس‏2007‏ وبقيتا خارج نطاق المعالجة والإصلاح حتي تفجر الأزمة المالية العالمية في سبتمبر الماضي‏.‏

وبالرغم من عدم توافر إحصاءات شاملة ودقيقة عن الاستثمار الخارجي في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية بحكم الحركة السريعة للأموال عالميا وأيضا بحكم الافتقار الي الشفافية في المعاملات وتعقيداتها وتشابكاتها وهو ما أكدت عليه نتائج الأزمة العالمية ووضعته في صدارة الأسباب ووفقا لمؤشرات مجلس الاحتياط الفيدرالي البنك المركزي الأمريكي فإن خسائر الاستثمارات الاجنبية في أسواق المال العالمية خلال‏11‏ شهرا تمتد مع بداية الأزمة بانفجار الفقاعة العقارية في أغسطس‏2007‏ وحتي نهاية يونيو‏2008‏ تبلغ نحو‏400‏ مليار دولار وأن هذه الخسائر ارتفعت مع اندلاع الأزمة المالية الي أكثر من تريليون دولار‏1000‏ مليار دولار وأن خسائر الاستثمارات العربية المصدرة تبلغ‏50‏ مليار دولار‏.‏

الفوائض البترولية‏..‏ والسوق الأمريكية

وتشير الاحصائيات الي أن رصيد الفوائض لدول مجلس التعاون الخليجي ارتفع في العام الحالي الي اكثر من تريليوني دولار في ظل الارتفاعات المتوالية لأسعار النفط السابقة علي الانخفاض الأخير للأسعار ووفقا لتقديرات معهد التمويل الدولي فإن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تدفقات استثمارية جديدة من هذه الدول في أسواق الاستثمار العالمية تبلغ‏530‏ مليار دولار منها‏300‏ مليار دولار توجهت للأسواق الأمريكية وكل ذلك بخلاف الاستثمارات السابقة علي السنوات الخمس والتي تزامنت مع بداية الفوائض النفطية بعد ارتفاع أسعاره نتيجة لحرب أكتوبر‏1973‏ والتي قدرت بما يتراوح بين تريليون دولار و‏800‏ مليار دولار علي الرغم من الخسائر العربية بالغة الضخامة في مضاربات المعادن النفيسة والعملات الدولية وتقلباتها العنيفة وأزمة المديونية لدول أمريكا اللاتينية في الثمانينيات

والتي تقدر خسائرهم فيها بنحو‏300‏ مليار دولار وتشير مؤشرات وزارة الخزانة الأمريكية إلي أن الاستثمارات العربية في الأصول المالية الأمريكية تبلغ‏322‏ مليار دولار غالبيتها العظمي بنحو‏308‏ مليارات دولار استثمارات سعودية وخليجية ومنها استثمارات مصرية تبلغ‏11‏ مليار دولار واستثمارات للمغرب قيمتها‏1,3‏ مليار بخلاف استثمارات للأردن ولبنان وتونس‏.‏

وترصد المؤشرات الأمريكية التاريخ القريب للخسائر في البورصة الأمريكية عام‏2001‏ مع انهيار أسهم شركات البرمجيات المسماه بفقاعة الدوت كوم والتي ارتفعت خسائرها الاجمالية إلي‏7‏ تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم وفي ذلك الوقت قدرت خسائر الاستثمار الأجنبي بنسبة‏18%‏ من الخسائر الاجمالية بقيمة‏314‏ مليار دولار وقدرت خسائر الاستثمارات العربية بمبلغ‏3,2‏ مليار دولار حيث كانت تقديرات تعاملات العرب في بورصة نيويورك عموما لا تزيد علي‏45‏ مليار دولار ويستوجب التحليل الاقتصادي والمالي الدقيق عند حساب الخسائر وتقديرها أن يؤخذ في الاعتبار طبيعة أسواق المال المفتوحة عالميا وتداول الأسهم الأمريكية في العديد من بورصات العالم الكبري

وأن خسائر المعاملات تحسب في نطاق تعاملات كل بورصة وفقا للدولة التي تنتمي إليها وبالتالي فإن خسائر المتعاملين علي الأسهم الأمريكية تمتد عبر بورصات العالم كما يؤخذ في الاعتبار أيضا أن المؤسسات المالية والبنوك الكبري الأمريكية المفلسة تتيح المشاركة المباشرة في رؤوس أموالها بنظام يعرف بالأسهم الممتازة وكذلك السندات الخاصة ولا يدخل ذلك في تقدير خسائر البورصات وما لحق بالمستثمرين الأجانب عموما في هذا الشأن بالغ الضخامة مع إفلاس ليمان برازرز رابع أكبر بنك استثماري أمريكي وغيره‏,‏ ومع وضع البنوك الاستثمارية الأخري العملاقة تحت الوصاية وتأميمها تأميما جزئيا بدخول مجلس الاحتياط الفيدرالي أو وزارة الخزانة كمساهم أكبر وما شملته هذه الاجراءات من ضمان جزئي لحقوق الملاك وأصحاب الأسهم الأصليين

وقد تضمنت خطة الانقاذ العاجل الأمريكية النص علي عدم تعويض حقوق صناديق الاستثمار السيادية مما يجعل خسارتها لكامل استثماراتها وليس لجزء منها كما هو الحال للمستثمرين الأمريكيين‏,‏ وتوضح مؤشرات وزارة الخزانة الأمريكية ضخامة قيمة الأوراق المالية الأمريكية بكافة صورها وأشكالها التقليدية حيث تقدرها بنحو‏10‏ تريليونات دولار تملك الحكومة الأمريكية منها‏4,2‏ تريليون دولار ويملك المواطن الأمريكي منها‏3,1‏ تريليون دولار وتملك الصناديق الأجنبية السيادية والخاصة‏2,7‏ تريليون دولار‏.‏

الاحتياطيات النقدية‏..‏ وتقلبات العملات

وتتكشف جوانب أخري بالغة الأهمية لتفهم الأزمة المالية العالمية ترتبط بضخامة الاحتياطيات المملوكة للدول من العملات الدولية الرئيسية وفي المقدمة وعلي العرش الدولار واليورو حيث تبلغ تقديراتها وفقا لاحصائيات صندوق النقد الدولي الأخيرة سبعة تريليونات دولار مع منتصف العام الحالي مرتفعة بمعدلات كبيرة نسبتها‏23%‏ بما يساوي‏1,3‏ تريليون دولار خلال‏12‏ شهرا مع الاشارة إلي امتلاك الدول النامية خارج نادي الدول الصناعية الكبري للجزء الكبير من هذه الاحتياطيات بما قيمته‏5,5‏ تريليون دولار ويقدر صندوق النقد أن‏50%‏ من هذه الاحتياطيات بالدولار الأمريكي مقابل‏70%‏ في نهاية عام الفين في حين تقدر حصة اليورو بنحو‏28,9%‏ مقابل‏19%‏ في بداية العقد الحالي مع توزيع الاحتياطيات الباقية علي عملات دولية رئيسية أخري في مقدمتها الجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري ولكن نصيب الدولار في احتياطيات الدول الصناعية الكبري مازال كبيرا وتبلغ حاليا‏68,5%‏ مقابل‏73%‏ في سنوات سابقة وتحدد هذه الاحتياطيات الضخمة والموظفة في الأسواق المالية الدولية حجم خسائر ومكاسب الدول خاصة فيما يرتبط بتقلبات أسعار الصرف الدولية‏.‏

الصناديق السيادية‏..‏ والاستثمارات المتعثرة

وقد ارتفعت استثمارات الصناديق الاستثمارية السيادية بشكل واضح وكبير في الأسواق العالمية الكبري خلال السنوات الأخيرة وتقدر الخدمة الاقتصادية لوكالة رويترز أن أصول هذه الصناديق يبلغ نحو‏3‏ تريليونات دولار كان ينتظر أن تشهد ارتفاعا ملموسا خلال السنوات القليلة القادمة لتصل إلي ما يتراوح بين‏7‏ و‏11‏ تريليون دولار مع عام‏2013‏ ومع ضخامة هذه الاستثمارات وما يثار حول نشاطها في الأسواق العالمية الكبري من تخوفات واعتراضات فقد اجتمعت تحت مظلة صندوق النقد الدولي في بداية سبتمبر الماضي واتفقت علي مجموعة من المباديء الطوعية للاسترشاد بها في ممارساتها الاستثمارية بما يسهم في تهدئة المخاوف العالمية بشأن دوافعها الاستثمارية ويبلغ عدد هذه الصناديق حاليا نحو‏40‏ صندوقا ورصدت المؤشرات العالمية ارتفاع استثماراتها خلال الأشهر الثمانية الأولي من العام الحالي يناير‏/‏ أغسطس أي قبل اندلاع الأزمة المالية العالية للاستحواذ علي حصص شركات ومؤسسات مالية كبري بشكل ملحوظ‏.‏

والمثير للانتباه أن الصفقات الكبري للصناديق الاستثمارية السيادية تركزت بالدرجة الأولي حول مؤسسات مالية وبنوك تعثرت أو أفلست أو بيعت مع احتدام الأزمة المالية حيث تشير تقديرات رويترز إلي استثمار هذه الصناديق ما قيمته‏25,48‏ مليار دولار في شراء أصول بمؤسسات عالمية مثل سيتي غروب وميريل لينش وأن هذه الاستثمارات تزيد بنسبة‏66%‏ بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي والبالغة قيمتها‏15,4‏ مليار دولار وقد تركزت صفقات هذه الصناديق علي السوق الأمريكية بنسبة‏62%‏ من اجمالي استثماراتها وبقيمة‏15,8‏ مليار دولار في ثماني صفقات كبري ويشكل ذلك نحو خمسة اضعاف استثماراتها الأمريكية قي العام السابق والبالغ قيمتها‏3,45‏ مليار دولار وجاءت روسيا في المرتبة الثانية للعام الحالي باستثمارات قيمتها‏5,3‏ مليار دولار استثمرتها دبي العالمية في شركة أو‏.‏ جي‏.‏ كيه‏.‏ ا الروسية الاقليمية للكهرباء‏.‏

وتتصدر هذه الصناديق السيادية الاستثمارية صندوق تماسيك هولدنفز السنغافوري وهيئة أبوظبي للاستثمار ودبي العالمية‏,‏ وقد تعمقت منذ العام الماضي في الاستثمار في المصارف الأمريكية والأوروبية التي منيت بخسائر في أزمة الرهن العقاري الأمريكية والأوروبية قبل تصاعدها والاستثمارات المترتبة عليها وتضم هذه الصناديق ايضا صناديق صينية لاستثمار الفوائض الضخمة المحققة والتي بلغت في الصين أخيرا نحو‏1,9‏ تريليون دولار تشكل احتياطيات النقد الأجنبي للدولة كما تملكها ايضا الدول الأخري صاحبة الفوائض البترولية مثل روسيا‏.‏

ولا تقتصر ضخامة الخسائر لدول الفوائض البترولية الخارجية علي استثمارات الصناديق الاستثمارية السيادية‏,‏ فإن المشكلة التي برزت علي السطح في الفترة الأخيرة ومع تصاعد نيران الأزمة المالية العالمية ترتبط بالمخاوف الشديدة من القدرة علي تسييل الأصول أو جانب منها في الأجل القصير لتوفير التمويل اللازم للمشروعات الاستثمارية الضخمة التي تمولها الدولة خاصة مشروعات البنية التحتية وهي مشكلة تعمقت كثيرا مع توجهات اسعار النفط للانخفاض المتوالي والكبير خلال الفترة الأخيرة وتدني السعر لأقل من‏80‏ دولارا للبرميل في حين ان التوقعات السائدة قبل الأزمة العالمية كانت تراهن علي حد أدني لاسعار برميل النفط لا يقل عن‏180‏ دولارا في مواجهة توقعات مندفعة راهنت في يوليو الماضي علي ضرورة ارتفاع السعر إلي‏150‏ دولارا للبرميل علي الأقل ويعكس ذلك انخفاضات كبيرة في ايرادات الدول النفطية وتعديلات جوهرية في موازاناتها العامة لتوفير التمويل للطموحات الاستثمارية تحت التنفيذ‏.‏

وقد تعرضت الحكومة الكويتية خلال الفترة الأخيرة لانتقادات في البرلمان نتيجة للخسائر التي تعرضت لها الهيئة العامة للاستثمارات الكويتية نتيجة لقيامها باستثمار نحو خمسة مليارات دولار في أصول بنك ميريل لينش وسيتي جروب ضمن صفقات الصناديق الاستثمارية السيادية الدولية وكانت أبوظبي قد عقدت صفقة لشراء حصة من سيتي جروب قيمتها‏7,5‏ مليار دولار كما اشترت هيئة الاستثمار القطرية‏20%‏ من بورصة لندن كشركة و‏2%‏ من بنك كريدي سويس في سبتمبر الماضي‏.‏

وفي ظل هذه الأوضاع العربية التي تفتقر لدرجة عالية من الشفافية يصعب معها رصد الحجم النهائي والتقدير الاجمالي للخسائر المباشرة في اسواق المال الأمريكية والأوروبية وغيرها‏,‏ وعلي الرغم من كل ذلك فإن هناك مؤشرات علي تصاعد المخاوف من أزمة سيولة دفعت المؤسسات النقدية المسئولة لزيادة السيولة بمعدلات مرتفعة خلال الفترة الأخيرة لدعم مواقف البنوك ومعاملاتها وتعاملاتها مع الجمهور‏,‏ حيث تم ضخ عشرات المليارات من الدولارات في السعودية والامارات العربية وغيرها‏.‏

ويجب أن يؤخذ في الاعتبار عند حساب الخسائر الإجمالية أن الأزمة قد طالت أيضا الأسواق الأسيوية والتي يتركز بها جانب من الاستثمارات العربية والخليجية وكانت خلال السنوات الأخيرة الماضية تمثل الملاذ الآمن من تقلبات الأسواق الأمريكية والأوروبية وتوجهها للتضييق علي الاستثمارات العربية والخليجية في انشتطها وأعمالها وقد شهدت بورصة طوكيو التي تعد المركز والقلب للبورصات الأسيوية انخفاضات حادة ومتوالية لم تشهدها منذ عام‏1987‏ وكذلك الحال في بورصة هونج كونج واضطرت إدارة بورصة جاكرتا الأندونيسية الي تعليق التعامل بعد تراجع المؤشر‏10,38%‏ مما يعني أن الخسائر متعددة الحلقات بغير انفصال أو انقطاع‏.‏

وفي الدول الخليجية تحديدا وعلي الرغم من كل أحاديث الثروة والفائض والعائدات النفطية الضخمة فإن خسائر السوق السعودية بلغت نحو‏124‏ مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولي من العام الحالي بنسبة‏18,35%‏ من القيمة الإجمالية لرأس مال البورصة وفي يوم الثلاثاء‏7‏ أكتوبر الحالي بلغت قيمة خسائر البورصة السعودية في يوم واحد‏24‏ مليار دولار ولايقل عن ذلك خطورة ما حدث للبورصة المصرية الذي توالي نزيف الخسائر منذ يونيو‏2007‏ وتراكمت قيمتها حتي نهاية أغسطس الماضي لتخسر البورصة نحو‏30%‏ من رأسمالها وعندما عادت للعمل بعد إجازة عيد الفطر يومي الأربعاء والخميس‏8‏ و‏9‏ أكتوبر خسرت أكثر من‏20%‏ إضافية لتصل الخسائر الإجمالية في رأسمالها الي نحو‏50%‏ مما يعكس مسلسل الخسائر الضخمة المتوالي الحلقات بصورة غير مباشرة علي الأسواق العربية‏.‏

***‏

قدمت الأزمة المالية العالمية درسا مهما في الأقتصاد لكافة دول العالم يؤكد أن التوسع في الانفاق الاستهلاكي والتوسع في القروض الأستهلاكية بكافة صورها وأشكالها لابد وأن يدفع الجميع الي الكارثة ومن أهم ما كشفته ان طموحات السياسيين للفوز بالانتخابات قد تتسبب في تقويض دعائم اقتصاد أكبر قوة اقتصادية عالمية حيث تشير التحليلات إلي ان برنامج بوش الأبن الانتخابي عام‏2004‏ والقائم علي ما يسمي بمبدأ مجتمع التملك قد سمح للمؤسسات المالية وللبنوك أن تقدم قروضا بلا ضمانات للأمريكيين وبتسهيلات تخالف كافة الأعراف المصرفية مما تسبب بالضرورة في انفجار الفقاعة العقارية وقيادتها للأزمة المالية وهيأ المناخ لصناعة التسيب والانحراف والفساد في المؤسسات المالية والبنوك الأمريكية الكبري تحت ظلال برنامج الرئيس الانتخابي العظيم‏.‏

وتشير الأرقام الي أن جنون المجتمع الأستهلاكي وسيادة عقلية الاستهلاك التي تفوق امكانات وقدرات المواطنين اعتمادا علي القروض وبطاقات الائتمان البلاستيكية نجم عنه أن اتفاق الأمريكيين تعدي دخولهم سنويا بنحو‏800‏ مليار دولار بما يعنيه أن الأمريكي ينفق ما لا يملكه وما لم يحصل عليه بعد وكانت النتيجة مخيفة ومفزعة في جانب الادخار وتضاءله وانخفاضه والإسراف والإفراط في الاقتراض من الخارج بكافة الأساليب والسبل الي حدود النصب والاحتيال من المؤسسات المالية والبنوك وكل ذلك يكاد يعصف بكل الشدة والعنف بالحلم الأمريكي ويكاد يقود التطلع العالمي للاحسن والأفضل الي قيعان الأحباط والدمار؟‏!‏

0 تعليقات