المصري اليوم  
الجمعة 22 أغسطس 2008

تحول «التراجع» وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها البورصة المصرية إلي عناوين رئيسية أو مانشيتات صحفية في وسائل الإعلام طوال الأسبوعين السابقين.

وأرجع الخبراء التراجع الحاد للبورصة لطابور من الأسباب يبدأ بالوضع والتغيرات السياسية وموقف الحكومة من أجريوم ثم قرارات ٥ مايو والتركيبة النفسية والسلوكية للمتعاملين في البورصة وسلوك الأجانب والتحركات المرتبطة بأسعار الفائدة والصرف والسلع «سلع تامة ومكونات ومستلزمات»

وفي الطريق اتهم البعض الشائعات وعمليات التحليل الفني والمالي.. ورغم أن لكل سبب من الأسباب السابق ذكرها مبررات وجيهة تركز السؤال الرئيسي حول البورصة: إلي متي يستمر التراجع ومتي تعود للصعود ومن المسؤول وما هي الأسباب؟!

«المصري اليوم» طرحت كل هذه الأسئلة وعلامات الاستفهام علي مجموعة من خبراء البورصة بحثا عن إجابة شافية أو نصيحة صادقة لحاملي الأسهم وكانت هذه الندوة.

«المصري اليوم» ما تفسيرك وتوقعاتك لما يحدث في البورصة بشكل عام؟

ـ يقول الدكتور محمد تيمور رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية: أولاً، أحب أن أوضح أن السوق المصرية منضبطة إلي حد كبير قياساً علي الأسواق المجاورة وهيئة سوق المال تتعامل بحزم شديد مع المتعاملين أو شركات السمسرة وهذا ما يرد في التقارير الأجنبية التي تؤكد أنها ليست لديها المشاكل المتعلقة بالمخاطرة الزائدة أو المضاربات والتصرفات المعتمدة علي معلومات متسربة داخليا مثلما يحدث في البورصات المجاورة وإن وجدت تكون بشكل قليل جداً.

ثانياً: كل المتعاملين الذين دخلوا في البورصة حققوا أرباحاً هائلة جداً، رغم الانخفاضات التي حدثت والأرقام تدل علي ذلك فنجد أنه خلال الفترة من ٢٠٠٥ وحتي الآن حقق المستثمرون الأفراد ٥٩١% بافتراض احتفاظهم بالأسهم أي تضاعفت أرباحهم ٦ مرات ولو كان تخارج من السهم قبل مايو الماضي كان حقق ٨٠٠% أي ٨ أضعاف ما دخل به، أما المستثمرون الذين يقولون «اتخرب بيتي في البورصة» فإنها نتيجة لممارستهم الخاطئة مثل الدخول والخروج بسرعة والاعتماد علي التوقعات الخاطئة والهرولة وراء تحليلات فنية بطريقة عمياء.

«المصري اليوم»: رغم ما تقوله عن استقرار السوق لكن ما تحليلك لما يحدث من انخفاض كبير هذه الأيام؟

ـ تيمور: البورصة من أول العام وحتي الآن انخفضت بما يتجاوز ٢٠% فقط وفي أبريل وحده ٢٧% وأهم أسبابه أن السوق شهدت أسعاراً عالية أي أن مضاعف الربح للسهم وصل إلي ١٧% في حين أن المتوسط في الأسواق الناشئة المماثلة كان ما بين ٨% و١٠%.

ورغم الارتفاع فإن الأجواء المحيطة بالسوق المصرية كانت غير مناسبة، بالإضافة إلي أزمة ائتمان الرهن العقاري في أمريكا، والتي انتقلت إلي أسواق العالم كله وأثرت علي المراكز المالية للبنوك وتوقفت معها عن تمويل عمليات الإقراض، وبالتالي فإن «شهية» المستثمر للمخاطر تراجعت كثيراً، وبالنسبة لأن الأسهم ذات مخاطرة عالية فإن المستثمر لجأ إلي استثمار أكثر من ٩٠% في صناديق الاستثمار باعتبارها أقل مخاطرة والنسبة الضئيلة الباقية ذهبت للأسهم، ونلاحظ أن الأسواق الناشئة كلها تراجعت في أكتوبر الماضي ما عدا مصر استمرت في التصاعد تلك الفترة.

«المصري اليوم» وما سبب ذلك؟

ـ تيمور: عندما يفقد المستثمر العالمي شهيته للمخاطرة نتيجة لأزمة الرهن العقاري، فإنه يتجه مباشرة إلي الودائع أو السندات ويبتعد عن الأسهم كذلك يبتعد عن الأسواق الناشئة، لأن عامل المخاطرة والتذبذب فيها كبير مقارنة بالبورصات الأخري.

«المصري اليوم»: لكن المستثمر في البورصة المصرية لم يتجه للسندات أو الصناديق هل لذلك علاقة بتراجع أسعار الفائدة؟

ـ تيمور: المشكلة أن وسائل الاستثمار الأخري في مصر ليست موجودة بالقدر الكافي ويمكن أن نقول «لا يوجد لدينا استثمار في السندات»، إلا في المؤسسات المالية بسبب بعض القرارات الصادرة عن وزارة المالية منذ ٣ سنوات ومنعت فيها المستثمر الفرد من الاستثمار في السندات الخاصة أو الحكومية ونحن نطلب حالياً فتح الباب مرة أخري لشركات السمسرة لتقديم السندات للمستثمر الفرد، والذي مازال لا يتعامل علي السندات، إلا عن طريق البنوك.

«المصري اليوم»: هل لموجة التضخم الحالية تأثير علي الانخفاض الحالي للبورصة؟

ـ تيمور: بالتأكيد، معروف عالميا أنه عندما يتزايد التضخم تدخل الأسهم في وضع حرج وموجة التضخم الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد المصري حاليا أثرت سلبًا علي الأسهم بسبب انخفاض القوي الشرائية للمستثمر، وبالتالي شراؤه للأسهم يتراجع ويلي ذلك انخفاض في أرباح الشركات، بالإضافة إلي ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج فيها، بما يزيد من عنصر التكلفة وبالتالي انكماش في الأرباح. وعلينا أن نؤكد أن التضخم ناتج عن أسباب خارجية مثل زيادة في أسعار الغذاء بنسبة ٤٠% التي أثرت علي ميزانية الأسرة المصرية، والتي يمثل بند الغذاء ٦٠% منها، ولكن التصورات الحالية تشير إلي انخفاض التضخم ليصل إلي ١١% خلال ٦ شهور نتيجة لانخفاض أسعار جميع السلع عالميا بشدة وليس البترول فقط.

ولكن يجب علي الحكومة أن تتخذ قرارات لوقف التضخم حاليا، والبنك المركزي لجأ إلي رفع سعر الفائدة ولكن تأثيرها غير كبير لأن الاقتصاد المصري لا يعتمد علي الاقتراض.

وأما النقطة الثانية لانخفاض البورصة، والتي ليس لها علاقة مباشرة بالاقتصاد وهي الهجوم المتواصل علي الحكومة حتي في الجرائد الحكومية وهو ما خلق نوعًا من الشعور بالإحباط.

«المصري اليوم»: أي أن للسياسة، سواء الداخلية والخارجية أيضًا، تأثيرًا علي أسواق المال؟

ـ تيمور: رغم علامات الاستفهام عليها إلا أنها موجودة من سنوات وبالتالي أصبحت عنصرًا ثابتًا لم يعد له تأثير فالمستثمر «تحصن» تمامًا ضد التأثير السلبي.

كما أن الحرب في روسيا ليس لها تأثير علي السوق بعكس ما تردد في الآونة الأخيرة، كما أن الوضع في غزة ولبنان مستمر منذ سنوات، وتحول ـ كما قلنا سابقًا ـ إلي عنصر ثابت وقبل ١٠ سنوات كان ممكنًا أن نقول لها تأثير كبير، أما الآن رغم استمرارها فإن تأثيرها تضاءل لأقل درجة، إلا إذا حدثت كارثة كبري داخلية أو خارجية.

«المصري اليوم»: ولكن بالتأكيد هناك أسباب مباشرة للانخفاض؟

ـ تيمور: حدوث الانخفاض يحتاج دائمًا إلي شرارة يعتمد عليها، وفي تقديري أن هناك سببين كانا مصدر هذه الشرارة، أولهما إلغاء الإعفاءات الضريبية علي المناطق الحرة ضمن قرارات ٥ مايو، والتي كان لها تأثير سلبي علي الأجانب مباشرة، لأنها أفقدتهم الثقة في الحكومة وقراراتها، كما أنها أضرت باقتصاديات مشروعاتهم التي قامت علي جدوي تؤكد إعفاء ضريبيا لمشروعات المناطق الحرة وبالتالي تأثرت مصداقية الحكومة وتشكك الأجانب في ضمان مستقبل حملة الأسهم حققوا أرباح ٦ أضعاف قيمة الأسهم منذ ٢٠٠٥ حتي أبريل الماضي ، وتبعًا لذلك بدأ الأجانب في البيع.

أما السبب الثاني فهو عدم بيع بنك القاهرة، فرغم ضخامة المبلغ المعروض علي الحكومة فيه، والذي وصل إلي ٢.١٨ مليار دولار وهو رقم هائل لم نكن نتوقعه حيث يمثل ٤.٥ ضعف القيمة الدفترية للبنك، في حين أن البنوك العالمية تباع بـ ٢.٢ من قيمتها الدفترية أو أقل.

وهذا الأمر جعل الأجانب يتساءلون إذا ما كانت الحكومة جادة في برنامج الخصخصة، وحصلت علي سعر مغر فلماذا لم تتخذ قرار البيع؟ وفي اعتقادي أن هذين العاملين بالإضافة إلي الأوضاع غير المواتية السابقة كانت الشرارة الأساسية للانخفاض.

ـ نادر خضر، محلل مالي بإحدي الشركات: بنك الإسكندرية تم بيعه بمعامل ٢.٦ مضاعف القيمة الدفترية فقط ورغم عرض القاهرة بـ ٤.٥ لم يبع وهذا أمر غريب.

ـ تيمور: وهذا يجرنا إلي سؤال مهم حول كيفية تحديد سعر البيع في عمليات الخصخصة، فعملية التقييم لبنك القاهرة استغرقت ٧ شهور، وظروف السوق وقتها كانت مرتفعة جدًا، ولكن عملية الطرح جاءت في ظروف مختلفة، ورغم ذلك كان هناك تصميم علي سعر التقييم القديم.

لذلك يجب أن يكون هناك نوع من المرونة في تقييم سعر البيع من مصادر ذات ثقة، وليس العملية التقليدية بتكوين اللجان، ونقرر أن نبيع به بعد سنة فقد يكون ذلك السعر قليلاً جدًا أو كثيرًا جدًا.

ـ خضر: أيضًا صفقة شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير لبيع حصة ٥% من أسهم العاملين كانت من الصفقات التي أثرت علي ثقة المستثمرين سلبًا، فكان محدد سعر التقييم ٧٠٠ جنيه، وعروض المستثمرين عند ٤٨٠ وحتي ٦٤٠ جنيهًا ولكن الحكومة قررت إلغاء الصفقة كلها، لأنها لم تصل للسعر المحدد وإذا نظرنا لسعر اليوم سنجده أقل من ٥٠ جنيهًا أي أقل بـ ٦٠% من سعر التقييم.

«المصري اليوم»: هل يمكن وصف ما يحدث بأنه انهيار؟

ـ تيمور: لا بالطبع، والتاريخ يثبت ذلك، وبناء عليه يمكن توقع ما يحدث في المرحلة القادمة، فإذا نظرنا إلي التاريخ سنجد أنه حدث نزول سريع للبورصة من فبراير ٢٠٠٦ حتي يوليو ٢٠٠٧، وخلال الـ ٦ شهور الأولي نزلت السوق ٤٠% مقابل ٣٠% عن نفس الفترة حاليا، كما أنها احتاجت ١٨ شهرًا لتستعيد أسعارها السابقة وبعدها بدأت في الارتفاع مع صفقة بيع بنك الإسكندرية الناجحة فإذا ما قلنا إن التاريخ يعيد نفسه فإننا سنخفض أيضًا إلي نفس المستوي تقريبًا، ثم تبدأ السوق في الاستقرار النسبي أو ما تسمونه الاستقرار العرضي، حتي تحدث «شرارة» أخري تبدأ معها موجة الصعود وتبعث علي التفاؤل مثل ضخ استثمارات ضخمة أو عملية خصخصة ناجحة أو أن تطرح الحكومة منتجًا جيدًا بسعر مناسب يعيد النشاط للسوق.

«المصري اليوم»: هناك مخاوف من عمليات الطرح الجديدة في الوقت الحالي؟

ـ تيمور: صعب أن نتصور ذلك طبعًا، كما أنني ضد أن تتدخل الحكومة بأي وسيلة لمساندة السوق لأن ذلك أثبت فشله.

«المصري اليوم»: وهل تتدخل الحكومة حاليا؟

ـ تيمور: لا، نهائيا وحتي في ٢٠٠٦ لم تتدخل إلا أنها عملت صفقة ناجحة رفعت معها السوق، وهي بيع بنك الإسكندرية وبدأ الأجانب معها العودة إلي السوق، وإذا ما أردنا النصيحة فعلينا أن نراقب الأجانب والمؤسسات الأجنبية، إذا بدأت في الدخول للسوق أدخل معها أيضًا.

ـ نادر خضر: قد يؤدي اتباع الأجانب في بعض الأحيان لنتائج غير دقيقة بسبب عمليات «الاربيتراج» فعندما تسقط البورصات الأجنبية يقوم الأجانب بحركة بيع كبيرة لأسهمهم في البورصات الناشئة، وبالتالي تعطي مؤشرًا سيئًا علي السهم.

ـ تيمور: المقصود هنا أن الأجانب لديهم الخبرة في التعامل علي الأسهم، وتحركاتها ويجب الاعتراف بها.

ـ عمرو مصطفي كامل، رئيس الجمعية المصرية لحماية المستثمرين: هناك اختلاف بين هبوط ٢٠٠٦ والهبوط الحالي رغم تشابه الأحداث، ولكن هناك سببًا جديدًا ومؤثرًا وهو عدم ثقة المستثمر في الحكومة، ولتحليل ما حدث في السوق فهو بكل بساطة يشير إلي عدم وجود مشتر في السوق، وبالتالي الأسعار كلها نزلت، والمستثمرون في البورصة أنواع «أجانب وعرب وأفراد أو مؤسسات» فما الذي حدث حتي يهرب كل هؤلاء، ولماذا لم يعد للمشتري وجود؟

وهنا أري أن السبب تتحمله الحكومة بسبب قرارات خاطئة، فهروب الأجانب ارتبط بقرار إلغاء المناطق الحرة، الذي أفقد المستثمر الثقة في الحكومة، فلا يصح أن أستثمر في بلد ما وفق ترتيب ومكاسب محددة ومعروفة ومقننة ويتم ضخ أموال بعد دراسات، ثم تتراجع الحكومة عن قراراتها وقوانينها وأعتقد أن المجموعة الوزارية الاقتصادية المصغرة علي علم تمامًا بالأضرار التي سببها القرار، وفي ثاني يوم بعد القرار كانت تحركات الأجانب كلها في اتجاه البيع.

أما السبب الثاني فيتعلق بتراجع مجلس الوزراء عن وعوده في أجريوم، وسواء القرار كان سليمًا أو غير سليم فإن الحكومة لا تمتلك القوة في تنفيذه، ومعني ذلك لو أي شركة أجنبية أخري أخذت موافقة علي مشروع في دمياط ولا يعجب الدمايطة ننقله للشرقية، وإذا لم يعجبهم نبحث عن مكان آخر، وهكذا فكيف يكون لدينا ضمان نمنحه للأجانب بعد ذلك، لقد فقدوا الثقة بالحكومة.

ـ تيمور: أعتقد أنه لا أحد يفقد الثقة إلي الأبد، أو يكتسبها إلي الأبد، وإنما هي متغيرة وفقًا لتصرفات محددة وبالتالي إذا ما اتخذت الحكومة قرارًا خاطئًا في رأيي مثل إلغاء الاعفاءات فإنها من الممكن أن تصدر قرارًا ثانيا بعد فترة تكتسب به الثقة مرة أخري، طالما أن الاقتصاد مستمر في معدلات نموه الحالية، التي تصل إلي ٧%.

ـ عمرو مصطفي كامل: حتي لو أعطت وعودًا بقرارات إيجابية أخري فإن المستثمر لن يصدقها مهما عملت حتي لو الحكومة نفسها تغيرت وجاء علي رأسها آخر غير «نظيف» يعطي قرارات تشجيعية لن نصدقه لأن الثقة في النظام وليس الأشخاص، وما حدث لم يحدث منذ عام ١٩٦١.

ـ تيمور: لأجريوم نواح إيجابية أخري.. لأول مرة الشعب وقف واستطاع وقف قيام شيء لا يرغب فيه بالضغط السياسي دون مظاهرات أو عنف، والحكومة هنا دورها تعويض المستثمر بطريقة ما، وهذا عرف موجود في الخارج ليس معناه أن الفلوس راحت عليه، وأعتقد أن الحكومة تتفاوض معه علي التعويضات المناسبة.

ـ كامل: أتفق أنه إيجابي من ناحية الديمقراطية ولكن علي مستوي مناخالاستثمار كان سيئًا بالفعل فأي مستثمر سيأخذ موافقة من الحكومة سيطرح عليها سواء عن الضمانات التي توفرها لعدم ظهور فئات تعترض تنفيذه أو توقفه، كما أن موافقة المجتمع المدني في الخارج يكون قبل القرار نفسه، وليس بعد القرار، حفاظًا علي مكانة وهيبة الحكومة.

شارك في الندوة:

ـ د. محمد تيمور: رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية ورئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية.

ـ عوني عبدالعزيز: رئيس الشعبة العامة لشركات السمسرة والأوراق المالية.

ـ سامح أبوعرايس: رئيس الجمعية العربية للتحليل الفني.

ـ عمرو مصطفي كامل: رئيس جمعية حماية مستثمري البورصة.

ـ عصام مصطفي: محلل مالي والعضو المنتدب لإحدي شركات التداول.

ـ نادر خضر: محلل مالي.

0 تعليقات