المصري اليوم
السبت 23 أغسطس 2008
أكد المشاركون في ندوة «المصري اليوم» حول البورصة أنه لا يمكن إغفال شعور المستثمر بأن البورصة أصبحت «لقلة» تتحكم فيها وتوجه الدفة لصالحها.
وقالوا إن بعض «الكبار» تتلاقي مصالحهم في شيء واحد تتحرك السوق تجاهه باتفاقات غير مؤكدة، لافتين إلي أن البورصة المصرية قد تكون بورصة «أفراد» مثل «دولة الأفراد» وعندما تحدث هزة لفرد فيها قد يؤثر ذلك علي البورصة بشكل بالغ.
وحذروا من أن الشائعات في البورصات الناشئة لها «قدسية الصدق» باعتبارها تحقق مكاسب كبيرة سريعة رغم أن هذه الشائعات أكذوبة قد يصدقها صاحبها، وهذه الشائعات تنتشر في المجتمعات المغلقة التي تزعم لنفسها الانفتاح رغم أن الفساد يسودها.
وانتقدوا غياب وظيفة «مستشار» الأفراد المستثمرين في البورصة، محذرين من أنه في حالة مصر قد ينساق الفرد وراء الآخرين بسلوك التقليد والمحاكاة.
وقال المشاركون إن لحظات تماسك البورصة وعودتها للارتفاع اقتربت كثيراً لأن معظم عملائها بدأوا رحلة البحث عن الأسهم «النظيفة» وتفادي الأسهم «الزفرة» - علي حد وصفهم.
ونصحوا المستثمرين الأفراد في البورصة بأن يكون الحد الأقصي لاستثماراتهم فيها في حدود ٣٠% من إجمالي مدخراتهم، وهي نسبة يمكن زيادتها بشرط أن يكون استثماراً طويلاً ومن خلال صناديق الاستثمار حتي يمكن تقليل المخاطر أو الحد منها.
وأكدوا أنه لا توجد مخاوف في البورصة من «التوريث»، كما أكدوا أن الحكومة أثبتت أنها قادرة علي مواصلة الإصلاح الاقتصادي نتيجة الضغوط الإعلامية الشديدة التي تتعرض لها.. وإلي التفاصيل:
«المصري اليوم»: نرجع إلي أسباب الهبوط، ما سر انسحاب العرب أيضًا؟
ـ كامل: العرب حدث لديهم فوائض كبيرة، نتيجة لارتفاع أسعار البترول، هذه الفوائض تم توجيه جزء منها إلي أسواق العقار في مصر، والأسواق المالية خارج مصر خلال السنتين الماضيتين، إلا أنه حدث حاليا ركود في سوق العقارات من ٦ شهور، وتواجد العرب في السوق المالية المصرية ضئيل جدًا ومعظمها مؤسسات وعندما انخفضت البورصات العربية، واستمرت السوق المصرية في الصعود واتجه العرب إليها واستغل المضاربون في مصر أساليب مختلفة غير موجودة في العالم كله بسبب ثقافة الفهلوة، إلي جانب غياب بعض الآليات المنظمة للسوق لاستغلال العوائد من القطاع العقاري.
«المصري اليوم»: وما تلك الأساليب غير المشروعة؟
ـ كامل: هناك محللون يعملون بنظام «الشورت سيل» وهو نظام لم يقر بعد، وهناك آخرون يعملون بـ «المارجن» والبعض يمارس الـ«أوبشن وفيوتشر»، ومعظمهم غير مؤهلين ويضاربون حول التوقعات وليس شراء الأسهم نفسها وهم منتشرون علي المقاهي.
ـ نادر: أعتقد أن الهيئة تسعي حاليا لتنظيم السوق بشكل أفضل.
ـ تيمور: ولكن العملية ليست سهلة كما نعتقد وتحتاج إلي فترة طويلة، حتي يتم وضع القواعد والتدريب عليها وجمع الآراء حولها واختيار التوقيت المناسب للتنفيذ، وهذا لا يعد تجاهلاً من الهيئة.
ـ عصام مصطفي، محلل مالي: دائماً ما ننسي التاريخ تحت نشوة الفوز أو الخسارة ولا نقدر علي تذكره عند حدوث الظاهرة العكسية بما يؤدي إلي حدوث الخلل الذي لا ندركه إلا بعد حدوث الأزمة فمعظم المحللين لا يسألون عن المبررات في لحظات الصعود وهي اللحظات التي يزرع فيها الخلل الذي نحصده في لحظات الأزمات بل إن البعض يذهب إلي استدعاء مبررات واهية تخدم آراءه وترفض التبرير لأسباب تتعلق بتعميق العائد دون جهد وهذا ينقلنا إلي مرحلة انتشار المقامرة وتسود التعبيرات مثل «دا كلام نظري أو كلام خبراء». مع جني الكثير من المكاسب يتعمق الشعور بالاستهانة بأسس التحليل العلمي السليم.
وفي هذا التوقيت تنتشر الشائعات لتعميق المكسب، وهو ما حدث بالفعل فلم يكن لدي قلق من الارتفاع في البورصة ولكن كان القلق من السلوكيات التي تفشت في الارتفاع نفسه مثل الرغبة الاستثمارية قصيرة الأجل ومعدلات الدوران العالية التي نطلق عليها «المقامرة» أو «المضاربة» وفي حالة الانخفاض يرفض المستثمر الاستمرار ويقول «يا عم أخرج أحسن»، وبالتالي يتعمق النزول.
كما أنه لا يمكن إغفال شعور المستثمر بأن البورصة أصبحت بورصة «قلة» تتحكم فيها، وتوجه الدفة لصالحها مثل بورصة «العز» أو «أوراسكوم» أو «طلعت مصطفي» وتؤثر علي الأحداث الحالية لأنها ترتبط في الأساس بالأشخاص وليس المؤسسات، فمثلاً في أمريكا نقول «مايكروسوفت» ولا نقدر أن نقول إنها تتحرك مثل «بل جيتس» كما أن البورصات الأجنبية عميقة أما المصرية فإنها تتحول إلي بورصة أفراد كدولة الأفراد، أي هزة تتعلق بهذا الشخص تؤثر فيها تأثيراً بالغاً.
كل هذه العوامل بالإضافة إلي الانعزال بين البورصة والواقع المليء بالمشاكل حيث يجد الفرد أزمة في الخبز وارتفاع أسعار المدخلات بما يخلق مشكلة انفصام بين الاثنين فالنمو السريع في البورصة بعكس الأسباب التي تساعد علي امتلاء البالون ويأتي بعدها الدبوس الذي يفجر هذا البالون وقد يكون شيئاً بسيطاً جداً.
تيمور: ولكن ذلك يحدث في العالم كله وحدث في الصين والبرازيل وروسيا خلال الشهر الأخير فهي طبيعة بشر وليست مقتصرة علي مصر.
«المصري اليوم»: ما تأثير الشائعات علي السوق وهل هي المحرك الأول لقرارات المستثمر في البيع والشراء؟
ـ تيمور: الشائعات قد تؤثر علي سهم ولكن لا تؤثر علي البورصة أو المؤشر، والمستثمر الذي يعتمد علي الشائعات يتبع سياسة القطيع دون علم، وأعترف بأن لها تأثيراً علي السهم فقد يرتفع لعدة أيام أو ينخفض بسببها.
عصام مصطفي: الأسواق الناشئة يسود فيها مفهوم الشائعة لأنها تحقق المكسب السريع وتكون لها قدسية الصدق رغم أنها أكذوبة وقد تصل لأن يصدقها مطلقها نفسه وتنتشر في المجتمعات المغلقة التي تدعي الانفتاح ويسودها الفساد.
«المصري اليوم»: أيهما أفضل التحليل الفني أم المالي؟
ـ تيمور: في رأيي التحليلات المالية هي الأدق وهي التي يمكن اتخاذ قرار سليم بناء عليها، أما التحليلات الفنية فيمكن أن نقول عنها إنها غير سليمة ١٠٠% خاصة عندما تكون هناك عوامل كثيرة تؤثر في السوق كما هو الحال بالنسبة للأسواق الناشئة ومنها مصر فإن التحليل الفني يكون غير دقيق نظراً لتأثره بهذه العوامل ولكن في البورصات العالمية في وقت الاستقرار وعدم وجود أزمات السوق يكون في هذه الحالة التحليل الفني له معني ولكن في سوق مثل مصر متغيرات كثيرة تتحكم فيها تكون قيمته أقل كثيراً.
سامح أبوعرايس، رئيس الجمعية العربية للتحليل الفني: أختلف مع الدكتور تيمور فمن وجهة نظري التحليل الفني تكون كفاءته أعلي في الأسواق الناشئة.
د. تيمور: أختلف معك كلية لأن التحليل الفني ترجمة لسياسة القطيع فمثلاً يحسب المحلل أن السهم تتصاعد قيمته عند قيمة محددة ولكن من الممكن لأي خبر اقتصادي أو مالي أن يؤثر علي توقعات التحليل الفني و«يهده» كله.
عصام مصطفي: الأصل هو التكامل بين التحليل الفني والمالي، وفصل الفني عن الآخر يتحول إلي «شعوذة»، وأزمة التحليل الفني حالياً أنه اتخذ من علم أصيل قناة للمضاربات، وأصبح مثل «جحا» يصنع الأكذوبة ثم يصدقها.
نادر خضر: أتفق مع الدكتور تيمور فالتحليل المالي أصدق من التحليل الفني ولا يمكن أن ننكر دور الأخير لأن هناك ترتيباً في التحليل المالي الذي يبدأ بتحليل الوضع السياسي ثم الاقتصادي والقطاعي ثم الأساسي وهي العناصر المحددة لجودة الاستثمار أما عنصر التوقيت فيعتمد علي التحليل الفني ويجب أن نعرف أن الأساس في الاستثمار هو القدرة علي اتخاذ القرار السليم وتوقيت تنفيذه أيضاً.
«المصري اليوم»: ما الذي قلته في آخر تحليل سياسي لك؟
ـ خضر: قلت إن الاقتصاد في مرحلة استقرار جيدة رغم بعض الاضطرابات ولكن لا يوجد لها تأثيرات بنسبة كبيرة إلا فيما يتعلق بثقة المستثمرين التي يمكن استعادتها، كما تم التخلي عن بعض حوافز الاستثمار لضمان الاستقرار والأمن الداخلي وضمان تغطية عجز الموازنة، وهذا بالطبع جاء بالسلب بعض الشيء في البورصة، ولكن ضمان الاستقرار وتحجيم الاحتقان الداخلي نتيجة لعدم توزيع عوائد الهيكلة علي الطبقات الدنيا قد يجعلنا نتنازل عن بعض مصالح الاستثمار لتفاديه.
خضر: عدد الذين يمارسون التحليل الفني رسمياً ولهم اعتماد قليل جداً لا يتعدي ٧ محللين من إجمالي ٧٠ فرداً يعملون في المجال وبالتالي حدث التشوه في التحليل الفني.
«المصري اليوم»: ما تأثير سيكولوجية المستثمر علي السوق وما الأسس التي يبني عليها قراره باستثمار أمواله؟
تيمور: للأسف لا يوجد في مصر حتي الآن مستشار استثماري للأفراد رغم أهميته البالغة لأن المستثمر الفرد قد ينساق وراء حاجات غريبة مثل أن يكون قريب له قد حقق مكاسب كبيرة، فيقلده دون دراسة لأوضاع البورصة والظروف المحيطة به ويجب أن يعرف المستثمر الفرد أن هناك أسساً للاستثمار وتختلف النصائح تبعاً لكل فرد ودراسة كل حالة علي حدة من ناحية الظروف الاجتماعية والنفسية أيضاً، ولكن بصفة عامة يمكن أن نقول إن نسبة ٣٠% من المبلغ الذي يملكه الفرد يخصص للاستثمار في البورصة هو الحد الأقصي للمخاطرة وليس المبلغ كله وإذا ما تقرر استثمار المبلغ كله وكان الاستثمار للأمد الطويل فالأفضل الاتجاه إلي صناديق الاستثمار لأنها توزع المخاطر، وبالتالي لو شركة «انخفض سعر سهمها أو انهار لن تخسر كثيراً»، وهو مجال جيد جداً للذين لا يمتلكون الخبرة ويحقق لهم نتائج إيجابية.
«المصري اليوم»: ما توقعاتكم للسوق المصرية خلال الفترة القريبة؟
ـ عصام مصطفي: الارتفاع غير المنطقي يتبعه انخفاض لا منطقي أيضاً ولكن أعتقد أن القلق في السوق هو الدافع الأكبر للتحرك، فعندما يشعر المستثمر أنه من الأفضل أن يبقي لأنها «خسرانة خسرانة» فهنا نصل إلي النقطة الآمنة لأنه يتحول إلي الاستثمار طويل الأجل وتتوقف عمليات البيع، وهذا ما يؤدي إلي الاتجاه العرضي «التماسك»، وبالتالي تستطيع البورصة تجميع نفسها، وفي رأيي فإن اللحظة اقتربت كثيراً لأن الكثير من العملاء بدءوا يبحثون عما نطلق عليه مجازاً الورقة «النظيفة» وتفادي الأوراق «الزفرة» كما أن المؤشرات الاقتصادية تشهد تحسناً نتيجة لعوامل خارجية تتعلق بانخفاض الأسعار، ونتمني أن تستجيب لها المؤسسة الداخلية في مصر.
ـ تيمور: أنا أوافق علي هذا الكلام جداً وقد تشهد السوق انخفاضاً بنسب ٦% و٧% إلا أنها ستسير في الاتجاه العرضي حتي تحدث شرارة الصعود، وأنصح كل مستثمر لديه أوراق محترمة الاحتفاظ بها وعدم التخارج نهائياً لأن الارتفاع يحدث فجأة، وغالباً ما يتطلع الخاسر إلي تعويض خسائره.
«المصري اليوم»: ما نسبة الأسهم «الزفرة» في السوق؟
ـ تيمور: أعتقد أن عدد الأسهم الزفرة ليس كبيراً جداً ومعظمها شركات توقف الهيئة كثيراً التعامل عليها أو التي كانت تصعد في فترات الهبوط بسبب المضاربات وخلافه.
«المصري اليوم»: ما رأيك في الدور الرقابي لهيئة سوق المال باعتبارك رئيس جمعية حماية المستثمرين؟
ـ عمرو مصطفي كامل: للأسف الدور الرقابي به ثغرات كثيرة ناتجة عن القوانين، فهناك أمور لا تعرف الهيئة عنها شيئاً، هناك ناس لديها من الملاءة المالية ما يمكن أن تؤثر به في عدد من الأسهم وليس البورصة كلها بالطبع، كما أن التقارير غير المسؤولة والتصريحات الصحفية المنشورة ممكن أن تحرك أسهماً معينة، ولا أحد لديه القدرة علي التدخل حتي سوق المال رغم أنها وضعت قائمة بأسماء المحللين الذين يقدمون النصيحة ولكن مع انتشار الجرائد والقنوات الفضائية انتشرت الأخطاء فمن المسؤول عن معاقبتهم.
«المصري اليوم»: يقال إن هناك أربع أو خمس شركات تحرك السوق؟
ـ تيمور: لا أحد يقدر علي تحريك البورصة كلها وإنما الأسهم الضعيفة فقط التي لا تزيد قيمتها السوقية علي عدة ملايين، ولكن من يقدر علي تحريك سهم مثل أوراسكوم أو العز تتعدي قيمته عشرات المليارات.
كامل: ولكن أي كلمة منشورة في تقرير قد تؤثر سلباً أو إيجاباً علي السهم، والمفروض أن تضع الهيئة ميثاق شرف مع الإعلام بألا يتم نشر أي تقرير إلا بعد اعتماده من هيئة سوق المال.
تيمور: السوق المصرية أحسن كثيراً، فالعربية ينتشر فيها التلاعب بشكل كبير جداً.. والبورصة لا توجد بها عيوب ضخمة لكن المستثمرين غاضبون نتيجة للخسائر الكبيرة التي لحقت بهم.. والتشاؤم الشديد قد يكون بداية الصعود من جديد.
«المصري اليوم»: هل المخاوف من «توريث الحكم» في مصر لها تأثير علي البورصة؟ وهل لدي المستثمر شكوك في استمرار مسيرة الإصلاح الشامل؟
ـ تيمور: أستبعد أن تكون هناك مخاوف من عملية التوريث.. وبالنسبة لاستمرار الإصلاحات الحكومية، فالحكومة أثبتت أنها قادرة علي هذا نتيجة الضغوط الشديدة التي تتعرض لها من وسائل الإعلام بأنواعها.
شارك في الندوة:
ـ د. محمد تيمور: رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية ورئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية.
ـ عوني عبدالعزيز: رئيس الشعبة العامة لشركات السمسرة والأوراق المالية.
ـ سامح أبوعرايس: رئيس الجمعية العربية للتحليل الفني.
ـ عمرو مصطفي كامل: رئيس جمعية حماية مستثمري البورصة.
ـ عصام مصطفي: محلل مالي والعضو المنتدب لإحدي شركات التداول.
ـ نادر خضر: محلل مالي.
0 تعليقات
إرسال تعليق