الاتحاد الإماراتية 

الجمعة 28 أغسطس 2009

مواجهة مخاطر الإنتاج المفرط والفقاعات الائتمانية

تتعافى الصين من الأزمة العالمية بقوة، فقد أظهرت أرقام الربع الثاني نمو الناتج الإجمالي المحلي الصيني بنحو 7.9 في المئة.وبالنسبة للمحللين المتشككين في مصداقية الإحصائيات الصينية يمكنهم أن يراجعوا إحصائياتها الفعلية الملموسة، ففي يونيو ارتفع إنتاج الكهرباء 5.2 في المئة مقابل تراجع دام ثمانية أشهر، وأصبح من شبه المؤكد أن الصين ستحقق معدل نمو يفوق 8٪ هذا العام.

هذه الصورة الإيجابية، لا تنفي وجود مخاطر تلوح في الأفق، ابرزها أن زيادة الاستثمارات نتيجة حزمة الإنقاذ الصينية يهدد بتفاقم طاقة الإنتاج، وأن يقود الضخ النقدي إلى توليد فقاعات.

ولعل سبب عزم الصين على تنفيذ البرنامج التحفيزي رغم أنها لم تعان من أزمة مالية بحسب النموذج الغربي، هو تضررها الشديد من الأزمة بسبب انهيار صادراتها فجأة.

ففي 2007 بلغت نسبة نمو الصادرات الصينية 25.7 في المئة، وكانت الصادرات تشكل 36 % من الناتج الإجمالي المحلي.

وفي نوفمبر 2008 انكمشت الصادرات 2.2 في المئة وتراجعت باستمرار منذ ذلك الحين.

وفي مايو 2009 تراجعت الصادرات 26.4 في المئة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.

وقاد تراجع الصادرات إلى تقليص نمو الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 3%.

من هنا، كان رد فعل الحكومة الصينية شديد السرعة، ففي نوفمبر 2008، طرحت الحكومة حزمة تحفيز مالية قدرها 580 مليار دولار لعامي 2009 و2010، وتمثل هذه الجرعة التحفيزية نحو 14 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2008.

ويمكن للصين أن تتحمل مثل هذه السياسة المالية التوسعية، فخلال العقد الماضي كان عجز موازنة الصين صغيراً جداً وفي 2007 كان هناك فائض في الموازنة، ونتيجة لذلك لا يتجاوز دين الصين 20 في المئة فقط من الناتج الإجمالي المحلي حتى بعد المبلغ التحفيزي، ولذلك وجدت الحكومة الصينية مجالاً متسعاً للمناورة.

وهنا تظهر أول المخاطر، فأهم مكون في حزمة التحفيز الصينية هو الاستثمار في البنية التحتية.

وتقليدياً مثل الاستثمار في الأصول الثابتة القوة الدافعة الرئيسية لنمو الاقتصاد الصيني، بل أن الاستثمار ينمو بمعدل يزيد عن نمو الناتج المحلي منذ 2000.

ونظراً لازدواجية دور الاستثمار في الأصول الثابتة في خلق الطلب على الأجل القصير والعرض على الأجل الطويل، فإن زيادة معدل الاستثمار ستخلق طلباً إضافياً مباشراً لفترة ثم سيتحول الاقتصاد من مرحلة تنشيط مفرط إلى مرحلة الإنتاج المفرط، وبالتالي سيحل ضغط الانكماش محل ضغط التضخم.

وكانت سياسة الصين الاقتصادية منذ نهاية 2003 تهدف إلى تحجيم النشاط المفرط، بسبب أن التنشيط المفرط كان راجعاً في المقام الأول إلى الزيادة السريعة في استثمار الأصول الثابتة فكانت طاقة الإنتاج المفرطة تتراكم في الوقت ذاته، وعمل الطلب الخارجي القوي على تأجيل بلوغ طاقة الإنتاج المفرطة، وللأسف لم تفلح جهود الحكومة في احتواء حمى الاستثمار، فعلى سبيل المثال في عام 2004 حين سعت الحكومة إلى تحجيم حمى الاستثمار في إنتاج الصلب كانت طاقة إنتاج الصين للصلب 400 مليون طن، وفي عام 2007 تجاوزت 600 مليون طن، ولم تنكشف مدى فداحة طاقة الإنتاج المفرطة إلا حين انهارت الصادرات.

وللحفاظ على نمو معقول ولتفادي بطالة شديدة لم يكن أمام الحكومة الصينية سوى إحلال الطلب المحلي محل الطلب الخارجي المتضائل، ولكن في الأجل القصير يتعذر تحفيز الاستهلاك المحلي، ولم يكن هناك خيار سوى استثمار الطلب، ونتيجة حزمة التحفيز بلغ معدل نمو استثمار الأصول الثابتة 36 في المئة في النصف الأول من عام 2009، وربما يكون معدل استثمار الصين قد تجاوز 50 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

وتدرك الحكومة الصينية جيداً أن الاقتصاد يعاني فعلاً من السعة المفرطة، وهذا هو تكثيف اهتمام الاستثمار الممول من الحكومة في حزمة التحفيز على البنية التحتية بدلاً من مصانع جديدة، ومع ذلك لا تزال هناك مشاكل بشأن سياسة مالية توسعية مركزة على الاستثمار، فنظراً للتنفيذ العاجل وغير الخاضع للاشراف، ينتشر الهدر في بناء البنية التحتية في كل مكان العائدات المنتظرة من هذه الدفعة الكبرى في البنية التحتية أقل مما هو منشود.

وهنا يتعين استخدام المزيد من الموارد في بناء شبكة أمن اجتماعي جيدة، وبالتالي في مقدور الاستهلاك المنزلي أن يلعب دوراً أكثر أهمية في دفع النمو الاقتصادي، وينبغي أن يؤدي الانفاق الحكومي إلى نمو الاستثمار الخاص ومساعد تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم ولكن العديد من حكومات الأقاليم تضغط على هذه المشروعات أو الأنشطة بشدة لتعويض إيرادات الضرائب المتناقصة.

وحين واجهت الحكومة الصينية سعة انتاج مفرطة، بدأت تبذل أقصى مساعيها إلى موازنة ذلك عن طريق زيادة صادراتها وأضحى خفض الضرائب إحدى سياسات تشجيع التصدير المهمة، ولكن للأسف يبدو أنه من المرجح أن تراجع أسواق تصدير الصين أمرا لا مفر منه وذلك بسبب تراجع الاستهلاك في الولايات المتحدة.

وفي مقدور بكين أن تتغلب على اختلال الأسعار سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي لتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية، ورغم أن إدارة الصين للأزمة نجحت في إنعاش التنمية فأنها لم تنجح تماماً في تعديلاتها الهيكلية.

وتكمن هنا المشكلة الثانية، ففي النصف الأول من عام 2009 زادت ائتمانات البنوك بنحو 7300 مليار يوان عن المستهدف الرسمي للسنة بكاملها، وكان نمو الائتمان كبيراً بشكل غير متوقع وانطبق ذلك أيضاً على المورد المالي العام الذي زاد بشكل قياسي بالنسبة إلى الناتج الإجمالي، ونتيجة لذلك فاضت سيولة سوق المال في البنوك.

ويجدر بالصين أن تتبع سياسة مالية متمهلة في مواجهة الأزمة المالية العالمية والتراجع المحلي، ومع ذلك لم تعان الصين من نقص السيولة وأزمة ائتمان، ويعتبر المضاعف النقدي الصيني مستقراً إلى حد كبير، وعلى عكس معظم الدول لا تفتقر الصين إلى سيولة نقدية.

بل أدى فائض السيولة إلى نشوء فقاعات الأصول.

وفي الوقت الراهن نجد أن السعة المفرطة تحول دون تحول التضخم إلى خطر، حيث أنه مع وجود نقد يفوق نسبة 160 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي يمكن أن يتغير الوضع ويتغير سريعاً بسبب صدمات داخلية أو خارجية، ونجد الآن أن واضعي السياسات على الصعيد العالمي يترقبون الخطوات المقبلة للبنك المركزي الأميركي (، وربما يكون على هيئة الصين المالية أن تقلق ازاء استراتيجية خروجه.

ولتحقيق تعاف مستدام، ينبغي على الصين أن تتوصل إلى توازن سليم بين إدارة الأزمة والإصلاحات الهيكلية، فإن أخفقت الصين في معالجة مشاكلها الهيكلية بما فيها من اعتمادها على التصدير ومعدل الاستثمار العالي وفجوات الدخل الشاسعة فمن غير المرجح أن يكون النمو مستدام.

والخلاصة أن الأزمة الراهنة منحت الصين مجالاً سانحاً ليس فقط لتعديل هياكلها ولكن أيضاً لإصلاحات مؤسساتية فمن مصلحة الصين والعالم أن نرى الصين تتبع الإجراءات اللازمة عن اقتناع.

0 تعليقات