الأهرام المصرية 

السبت 4 يوليو 2009

الزيارة الأخيرة التي قام بها الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلي الولايات المتحدة تعكس توجها واضحا لتعظيم فرص نمو هذا القطاع الحيوي عبر اتفاقيات مهمة مع شركات عالمية كبري من ناحية‏,‏ وتأكيد مبدأ الشراكة استنادا إلي قوة مصر في هذا المجال وسعيها لتوثيق التعاون مع الدول ذات السجل المتميز في الأبحاث والتطوير من ناحية أخري‏,‏ للاستفادة من تجاربها وبالتالي ضمان نمو قطاع الاتصالات‏,‏ تكنولوجيا المعلومات المصري وزيادة قدرته علي جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل‏.‏

ويمكن القول إن قطاع تكنولوجيا المعلومات في العالم تحول إلي وسيلة يمكن من خلالها تجاوز الأزمات المالية التي تعصف بالعالم علي فترات‏,‏ فهذا القطاع بطبيعته يمتلك الأدوات اللازمة لتقليص النفقات عبر الوصول إلي حلول وتطبيقات ذكية تسهم بشكل كبير في زيادة كفاءة وإنتاجية أي شركة مع الوضع في الاعتبار عنصر التكلفة‏.‏ كما أن هذا القطاع بعينه يستطيع توفير فرصة لدولة ناشئة مثل مصر في تجاوز هذه الأزمات‏,‏ لان الدولة بما تمتلكه من مقومات بشرية ذات مؤهلات ويتم تدريبها باستمرار تصبح مقصدا للاستثمار الأجنبي الذي ينظر دوما إلي خليط توافر المهارات مع التكلفة التنافسية للأجور وعناصر التشغيل‏.‏

والمقصود بعنصر التكلفة التنافسية هنا ليس الانخفاض المهين للأجور وإنما هي مقارنه بالنسب بين الدول المتنافسة في مضمار تكنولوجيا المعلومات‏,‏ وتكلفة التشغيل في مصر تنخفض عن مثيلتها الهندية بنحو‏5%‏ تقريبا‏,‏ مع العلم بان صادرات الهند من تكنولوجيا المعلومات وخدماتها تبلغ نحو‏60‏ مليار دولار سنويا لان القطاع الهندي يعمل به نحو‏4‏ ملايين محترف‏.‏ وخلال الأزمة العالمية‏,‏ نجح قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري في اجتذاب عدد اكبر من الشركات العالمية بسبب هذه المميزات التنافسية‏.‏ وقد يكون هناك تصور بأن هذه الصناعة في مصر مقصورة علي مراكز الاتصال وما يقترن بها من خدمات للعملاء‏.‏

لكن واقع دفتر أحوال هذه الصناعة المصرية الواعدة يقول غير ذلك حيث إن مراكز الاتصال المصرية والعالمية التي تخدم مختلف مناطق العالم وبأكثر من‏20‏ لغة ليست سوي جزء من صناعة ضخمة تتضمن تطوير البرمجيات‏,‏ والبرمجيات المدمجة‏,‏ ونظم المعلومات‏,‏ والتطبيقات‏,‏ والاستشارات التي تعتبر ارقي درجات سلم القيمة المضافة‏.‏ وحتي نعالج القضية بنوع من التسلسل المنطقي يجب أن ندرك أن دولة مثل مصر تحتاج إلي مختلف درجات سلم القيمة المضافة‏,‏ لأن أولي درجاته وهي مراكز الاتصال والخدمات التي توفرها تفتح الباب أمام توظيف كثيف للعمالة وهو من الأهمية بمكان لأنه يساعد بشكل أساسي علي تقليص معدلات البطالة‏.‏

وبالرغم من أن هذه النوعية من الأعمال لا تتسم بالتخصص الشديد إلا أنها تتطلب حزمة من المهارات الأساسية التي يتعين توافرها في المحترف حتي يستطيع الالتحاق بالوظيفة أصلا‏.‏ وهذا النوع من المهارات يصعب علي طلبة الجامعات اكتسابه خلال مرحلة التعليم الجامعي‏,‏ وبالتالي عندما يتقدمون لهذه الوظائف يدخلون برنامجا تدريبيا تطلبه الشركة التي تستثمر في مصر ويتحدد تبعا للمتطلبات المختلفة لكل شركة‏.‏ وحتي يتم تقليص الفجوة بين الدراسة الجامعية ومهارات العمل الأساسية في هذا القطاع تشهد الجامعات المصرية برنامجا يتم تنفيذه منذ أوائل العام الماضي وتشترك فيه حاليا‏15‏ كلية بتسع جامعات مصرية لإعداد‏40‏ ألف طالب بحلول‏2012‏ وتزويدهم بالمهارات الأساسية للالتحاق بسوق العمل في هذا القطاع‏.‏

وبالفعل تم إعداد نحو‏8‏ آلاف طالب عبر هذا البرنامج المحدد بعدد من الساعات خلال الدراسة والإجازة الصيفية‏.‏ وحزمة المهارات التي نتحدث عنها هي في الأصل مهارات أساسية لكثير من فرص العمل في جميع القطاعات‏.‏ فطلبة السنوات النهائية في كليات الهندسة والتجارة والآداب باتوا يلتحقون بما يعرف باسم برنامج تنمية المهارات الاحترافية للخريجين للعمل بقطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات‏.‏ وهذا البرنامج التدريبي ينمي المهارات الشخصية واللغوية للطلبة في التعامل مع العملاء ومهارات العرض وإدارة الوقت والتعامل مع الأزمات والعمل في إطار فريق والتعامل مع البيانات وإدخالها وغيرها من المهارات الأساسية للعمل‏.‏

والمهم في هذا البرنامج انه موحد ومتفق عليه من الشركات الأجنبية والمحلية‏,‏ بحيث إن المتخرجين منه معروف مستواهم ودرجة حرفيتهم‏.‏ وإذا كانت صناعة مراكز الاتصال مهمة لتوفير فرص عمل كثيفة‏,‏ فإن الدرجات الأعلي في سلم القيمة المضافة تمثل أهمية كبري في زيادة صادرات القطاع كيفا وكما‏.‏ فتطوير البرمجيات وما يرتبط بها من نظم وتطبيقات والاستشارات صناعة موجودة في مصر بشكل واضح والدليل علي ذلك المهندسين المصريين الذين يعملون في شركات عالمية شديدة التخصص وعالية التقنية تمارس عملها انطلاقا من مصر مثل‏'Valeo'‏ المتخصصة في صناعة البرمجيات المدمجة اللازمة لصناعة السيارات‏,‏

ومثل‏'SQS'‏ الشركة الأولي علي مستوي أوروبا في اختبارات جودة البرمجيات وتعمل انطلاقا من مصر وبأيدي المبرمجين والمهندسين المصريين‏.‏ وبالطبع هناك أيضا الشركات المصرية التي تعمل في مجال الاستشارات ومنها شركة مصرية تعمل ضمن تحالف عالمي مهمته بناء القدرات المؤسسية لـ‏100‏ شركة مصرية تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات خلال‏3‏ سنوات‏.‏

وإذا كنا نتحدث عن صناعة تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرتبطة بها‏,‏ فقد يتبادر إلي الذهن سؤال مشروع وهو لماذا لا تنخرط مصر في تصنيع المعدات الالكترونية‏'‏ الهاردوير‏'‏ مثل الصين وهونج كونج وتايوان؟

الإجابة علي هذا السؤال هي أن هذه الدول تفوقت بالفعل علي العالم بأسره في هذا المجال‏,‏ وأصبح من الصعب علي باقي الدول ومن بينها مصر المنافسة بشكل جدي في صناعة‏'‏ الهاردوير‏'‏ كما أن هذه الصناعة لا تحتاج إلي أيد عاملة كثيفة‏,‏ وقيمتها المضافة لا تضاهي بأي حال من الأحوال القيمة المضافة لتطوير البرمجيات والاستشارات والعائد الذي تمثله تكنولوجيا مثل‏'‏ النانو تكنولوجي‏'‏ ومحاور تنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري ثلاثة‏,‏

أولها اجتذاب الشركات الأجنبية لتوفير فرص عمل كثيفة من خلال مراكز الاتصال من ناحية‏,‏ وفرص العمل بمجالات تضمن أعلي درجات سلم القيمة المضافة من ناحية أخري‏.‏ والمحور الثاني هو تنمية الشركات المصرية المحلية عبر برامج بناء القدرات المؤسسية لهذه الشركات‏,‏ وعبر رعاية المبدعين ودعم الأبحاث والتطوير‏.‏ أما المحور الثالث وهو الأكثر أهمية فهو إيجاد كوادر محترفة مؤهلة وقادرة علي العمل في فرص العمل التي ستتولد من المحورين السابقين‏.‏

0 تعليقات