أكد خبير اقتصادي أن الأزمة المالية العالمية الراهنة التي باتت تهدد بكساد اقتصادي على مستوى الاقتصاديات الصناعية الكبرى وحتى الناشئة ستؤثر بالسلب على إيرادات قناة السويس ومستقبل الجنيه المصري مشيرا إلى أن  الاقتصاد المصري سيصاب بحالة ركود لفترة تزيد عن عامين.

هكذا استهل الدكتور حلمي عبد الفتاح البشبيشى أستاذ ورئيس قسم المحاسبة كلية التجارة جامعة القاهرة حديثه عن الأزمة العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد المصري والتي كانت موضوعا للحوار بصالون الدكتور حامد طاهر وحضرها مجموعة من الخبراء الاقتصاديين.

وتوقع أن تؤثر الأزمة على دخل قناة السويس في المستقبل بنسبة 4 % مـن حجم إيـراداتها ، أما حالياً ولمدة ثلاثة شهور فقط فإيرادات قناة الـسـويـس في آمان بعيداً عن الأزمة لوجود اتفاقيات وتعاقدات تجارية عالمية أبرمت قبل حدوث الانهيارات المالية .

وأشار إلى أن المستثمرون الأجانب أصحاب الأسهم الموجودة بالبورصة المصرية بدأوا في بيعها نظراً للانخفاض الحاد في قيمة الأسهم مضيفا أن المسـتثمر الأجنبي يقوم ببيع أسهمه بالجنيه المصري وتحويلها إلى الدولار والذي يتم سحبه من السوق المصري مما يؤدى إلى ارتفاع سعره بشدة، وبالتالي تنخفض القيمة الشرائية للجنيه ويرتفع سعر الدولار في السوق المحلي.

وأوضح أن الأزمة سوف ستـؤثر أيضا على الصـناعات الـبـتـرولية والكيماوية حيث ستشهد الفترة القادمة انخفاض أسـعار المواد الـبـتـرولـية الخام والمصنعة على مـسـتوى العالم بما يؤثر بالسلب على حـجم التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا.

وكان من المتوقع أن تصل نسبة التبادل التجاري بزيادة تقدر بنسبة 10 % أي تصل إلى 24 مليون جنيه . والنتيجة المنتظرة هي ضعف الاستثمار العقاري وضعف التمويل الأجنبي للاستثمارات العقارية.

وأشار إلى أن الـظروف الحالـية أدت إلى فـتـح باب استيراد الـحديد نظراً لارتفاع سـعـر الحديـد المصري، ولكن من المنتظر نتيجة الأزمة الحالية أن تتناقص كمية الحديد المستورد. والنتيجة المتوقعة هي تأخر تسليم الوحدات المطلوبة تشطيبها بالإضافة إلى تأثر شديد في تشييد القرى السياحية والمشروعات السكنية الضخمة خاصةً ما يتعامل منها بنظام التقـسـيط وسيقوم المستثمر بتحميل العميل بالزيادة الطارئة لأنها تعد في حكم الظروف الإرادية الطارئة ومن المؤكد أن زيادة سعر الحديد يتبعه زيادة في سعر الأسمنت وبالتالي ارتفاع تكلفة المباني.

وأشار إلى احتمال تأثر صناعة الجلود وإصابتها بنكسة حيث أن 45 % من صناعة الجلود في مصر تصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي.

جذور الأزمة

وأكد أن كل دول العالم تأثرت بهذه الأزمة وكـل اقتصاديات الدنيا اهتزت بما فيها الدول النامية والمتقدمة موضحا أن هناك فرقاً بين أن تتأثر وبين أن تسقط ، بين أن تعيد حساباتك وتقيم نتائج أفعالك وبين أن تعلن إفلاسك وترفع الراية البيضاء.

وأشار أن جذور الأزمة الحالية في القطاع المالي العالمي تعود إلى ما قبل نحو ثلاثة عقود خاصة في ضوء تطور قطاع الخدمات المالية (بنوك، بورصات شركات تامين واستثمار ومؤسسات مالية وغيرها) على حساب قطاعات الاقتصاد التقليدية من تجارة وصناعة وزراعة وتحول معظم اقتصادات العالم إلى اقتصاد السوق الحر.

وأضاف أنه في السنوات التي شهدت فوائض مالية كبيرة مطلع القرن الحالي ومع الارتفاع الجنوني في قيمة الأصول في العالم ـ وفي مقدمتها العقارات ـ كانت السيولة مشكلة لدى البنوك والمؤسسات المالية.

بمعنى أن لديها فوائض هائلة من السيولة لا تجد منافذ استثمارية لها، ولان العقار يبدو ملاذا آمنا للاستثمار اتجه قدر كبير من تلك السيولة إلى قطاع العقارات.

وأكد أنه قبل عامين أو ثلاثة لم تخل وسيلة إعلام من إعلانات عن سماسرة قروض عقارية يقدمون أفضل أسعار الفائدة دون الحاجة إلى أي ضمانات. بل كانت هناك إعلانات محددة لمن لهم تاريخ ائتماني سيء (أي مشكوك في تسديدهم ديونهم) وكيف يمكنهم الحصول على قروض.

ولا يهم هؤلاء السماسرة سوى الحصول على العمولة، فقاموا بترتيب القرض دون أي ضمانات فالبنك هو الذي سيقرض في النهاية، مما أدي إلى زيادة حجم تلك الديون العقارية "الرديئة" بشكل بدأت البنوك تشعر معه انه لا بد من حل بدلا من إبقائها على دفاترها.

الجنيه المصري

وهنا يأتي دور بنوك الاستثمار (التي كانت اول المنهارين في ألازمة (التي تقوم بتجميع تلك الديون وتوريقها عبر سندات دين بضمان القروض العقارية تلك.

وبمهارة كبار مسئولي الاستثمار في تلك البنوك يتم إصدار سندات تصنف على هيئة فئات.

"حيل محاسبية"

ولضمان بيع تلك السندات للمستثمرين الراغبين في عائد مربح وكبير يقوم البنك الاستثماري بشراء سندات خزانة مقابل سندات الفئة الأولى والثانية أو التامين عليها وبعد تهيئة سندات الفئة الأولى والثانية على أنها جيدة، تقوم وكالات التصنيف الائتماني بإعطائها تصنيفا جيدا فيسهل بيعها.

وتقدر فائدة صغيرة على السندات الممتازة وفائدة اكبر قليلا على السندات العادية وفائدة عالية جدا على السندات مقابل الديون المعدومة وان كانت كل الديون في الواقع في حكم المعدومة، لكنها الحيل المحاسبية الاستثمارية التي تسعى الحكومات الآن لضبطها بتشديد وإحكام الرقابة عليها .

ويتم البيع في أسواق آسيا أو الخليج، أو لمجلس محلي لمدينة صغيرة، وفي الأغلب تباع سندات الفئة الأولى لصندوق استثمار تعاوني وما شابه وتبقى سندات الفئة الرديئة فيشتريها مثلا كبار الموظفين في ألمانيا  وبريطانيا وغيرها الذين يريدون استثمار أموالهم هم أو معارفهم ويحصلون على فوائد هائلة عليها.

ومع انكشاف كل تلك الحيل جاء انهيار أسعار العقارات في أمريكا، وبعدها أسبانيا وايرلندا وبقية دول العالم .

ومنذ صيف العام الماضي، فقدت البنوك والمؤسسات المالية الثقة في مصداقيتها وأصبح الشك دائما أن هناك ديون هائلة معدومة مخفية خلافا عما تظهره قوائمها المالية عن الوضع المالي والمحاسبي لها .

هذا وقد أصبح الاقتراض من الأسواق الثانوية في غاية الضعف ، ونتيجة انعدام الثقة، توقفت البنوك عن الإقراض فيما بينها .

وتحتاج البنوك للاقتراض من بعضها على المدى القصير لتتمكن من تغطية الإقراض على المدى المتوسط والطويل للأعمال والأفراد  وهكذا نشأت أزمة الانكماش الائتماني، والتي لم تفلح كل محاولات ضخ الأموال في المؤسسات المنهارة في القضاء عليها تماما.

مواجهة السلبيات

الأزمة المالية العالمية ألقت بظلالها على اقتصاديات المجتمع الدولي .. ورغم برامج الإنقاذ والمواجهة فإن دلالات الحذر والترقب والخوف من الغد لازالت تسيطر على عقول وتصريحات خبراء الاقتصاد وسوق المال ربما لإدراك أن الانهيار الذي يحدث في أيام يحتاج إلى سنوات لإصلاحه واحتمال لإدراك الخبراء أن إزالة آثار الأزمة مرتبطة بنتائج الإصلاح بالولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك باعتبار أن سوقها واقتصادها يؤثر بالسلب والإيجاب على الدول الأخرى .  على كل حال فإن ما يهمنا أن تخرج مصر من الأزمة سالمة آمنة تتعامل مع أحد جوانب الأزمة بتعزيز الاستثمارات والتنمية في مختلف الأنشطة .. وتتعامل مع الجانب الآخر على طريقة "رب ضارة نافعة" فأسعار الحبوب والسلع الغذائية انخفضت بفضل الركود .. والاستثمارات العربية يفرض عليها درس الأزمة طلب "اللجوء الاقتصادي" إلى مصر .

مصارفنا آمنة

وأشار د. حلمي البشبيشي ان الاقتصاد المصري لابد أن يتأثر ولكن الإصلاح الاقتصادي خاصة في القطاع المصرفي جعل المصارف المصرية آمنة بالمقارنة بالمصارف في الدول المتقدمة ،مؤكدا على متانة وقوة الجهاز المصرفي في ظل الدور الفاعل للبنك المركزي المصري وإشرافه على أنشطة البنوك المصرية والأجنبية العاملة في مصر بعكس البنك المركزي الأمريكي الذي لا يراقب بنوك الاستثمار لديه لذلك فإن قدرة مصر على التعامل مع الأزمة أقوى مما كانت عليه منذ خمس سنوات مثلا . فقد حققنا معدل نمو اقتصادي 7% وهو أعلى المعدلات ، ويجب أن نعمل على عدم انخفاضه.

التأثر بالأزمة

السوق الأمريكي يعتبر اكبر سوق في العالم فإذا انتقلت الأزمة المالية إلى الاقتصاد الحقيقي فسوف تسبب ركودا وانخفاضا في الطلب الداخلي على السلع المحلية والمستوردة ونحن نصدر للسوق الأمريكي ودول الاتحاد الأوربي ومن الطبيعي أن تتأثر صادراتنا في هذه الحالة ، ومن المتوقع أيضا انخفاض الاستثمارات الأجنبية وربما تتأثر السياحة مع انخفاض دخل المواطن في الدول التي يأتي منها السائحون ونقص السيولة لديهم فربما يؤجلون رحلاتهم باعتبار أن السياحة إنفاق كمالي يمكن تأجيله لحين تحسن الأحوال .

القطاع الزراعي

في القطاع الزراعي وفي ظل أزمة الغذاء العالمي من المتوقع أن يشهد هذا القطاع تأثرا كبيرا في عدة مجالات منها : انخفاض الصادرات الزراعيــة ، ومنتجات التصنيع الزراعي لعدم قدرة البنوك المحلية على فتح اعتمادات تصديرية جديدة ، وعدم قدرة البنوك الأجنبية في الدول المستقبلة للصادرات على الوفاء بسداد قيمة هذه المنتجات. لهذا فمن الممكن أن تتأثر حاصلات مصر الزراعية والمخصصة للتصدير والتي تبلغ قيمتها حوالي 2 مليار دولار سنويا من القطن والفاصوليا والبصل والموالح وبعض الخضروات ، وعدم قدرة الدول النامية والفقيرة على سداد التزاماتها المالية لوارداتها من السلع الغذائية أو المواد الخام اللازمة لصناعاتها الناشئة نتيجة لأزمة السيولة والخسائر الكبيرة التي أصابت بنوكها والبورصات الوليدة العاملة بها ، بالإضافة إلى تباطؤ الاستثمار في القطاع الزراعي والأنشطة المصاحبة المنتجة للغذاء سواء كانت صناعية أو تجارية نتيجة لما يعانيه المستثمرون من نقص في السيولة ، كما تأثر العديد من رجال الأعمال نتيجة القروض الائتمانية التي حصلوا عليها مقابل أصول انهارت أسعارها مما أي إلى خسارة كل من الدائن والمدين.

انخفاض الأسعار

أما الجوانب الايجابية للأزمة الاقتصادية العالمية بالنسبة لمصر فأهمها : أنها ستعطينا حافزا اكبر للاعتماد على النفس ففي أزمة 1929 توقفت صادرات القطن إلى انجلترا فانتعشت صناعة الغزل والنسيج مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي لاستيعاب كميات القطن المتاحة بالسوق ، بالإضافة إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية في العالم خاصة السلع الغذائية ستؤدي إلى انخفاض الأسعار بالداخل وسيقلل من الميزانية الإجمالية للدعم وسيقلل من عجز الموازنة، ويمكن استخدام فائض الدعم في الإنفاق الاستثماري بالداخل مما يعوض انخفاض الاستثمارات الخارجية .. وبهذا يتم تحرير جزء من الأموال المخصصة للدعم دون أن يمس المستهلك. مع ضرورة تكثيف الرقابة الحكومية على التجارة الداخلية لتصل السلع للمستهلك بأسعار منخفضة .

تشجيع الاستثمارات العربية

وأشار البشبيشي إلى أن ألازمة المالية الحالية هي إنذار هام للدول العربية التي لديها فائض مالي خسرت جزءا منه نتيجة إيداعه في البنوك الأمريكية والأوربية ومن الواضح أن اقتصاد مصر قوي وان جهازه المصرفي مستقر ويحمي الاستثمارات ، بهذا يجب التركيز على تشجيع الاستثمارات العربية مع ضرورة المتابعة الدقيقة لما يجري في البورصة وذلك تأثرا بالتراجعات الحادة التي شهدتها الأسواق العالمية والتي لم تستطع الخروج من مخاوفها بشأن تبعيات الأزمة على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي حيث أن هذه الانخفاضات الحادثة غير مبررة وناتجة عن روح القطيع وتقليد المصريين للأجانب . كما يجب الاهتمام بجودة المنتج المصري والتي أصبحت مسألة حياة أو موت حتى نعمل على زيادة صادراتنا وتقليل وارداتنا ، ولابد من تشجيع الاستثمارات الداخلية وتكثيف التعامل الاقتصادي المصري العربي لمصلحة جميع الأطراف ، ولا ننتظر لموعد عقد القمة الاقتصادية العربية في يناير2009 .

المشروعات الكبرى

من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية على الدول النامية تباطؤ معدلات النمو وتدهور أوضاع التمويل إذا اقترنت بتشديد السياسات النقدية التي قد تؤدي إلى توقف بعض الشركات الكبرى عن العمل مما يؤثر على النشاط الزراعي والصناعي والتجاري في الدول النامية.

ففي مصر مثلا لدينا مشروعات هامة مثل ترعة السلام وتوشكى ومن المتوقع عدم توفر السيولة اللازمة لاستكمال هذه المشروعات مما يؤدي إلى تباطؤها فهذه المشروعات ستصبح على المحك .

بالإضافة إلى حدوث أزمات في موازين المدفوعات وخلل كبير بين الصادرات والواردات يستتبعه خلل في ميزانيات الدول النامية مما يتطلب إعادة النظر في ميزانياتها . ونتيجة لنقص السيولة من المحتمل ألا تتمكن الدول الكبرى من الالتزام ببرنامج المعونات الغذائية للدول الفقيرة فالولايات المتحدة الأمريكية تقدم 30 مليار دولار إعانات سنوية للدول الفقيرة ومن المحتمل أن تقل هذه الإعانات أو تتوقف تماما .

من الأهمية بمكان ضرورة قيام مصر بالتوسع في الاستثمار الزراعي تحسبا لأي تداعيات بالأسواق العالمية وكذلك المعونات الخارجية .

وتساءل البشبيشي كيف نضاعف من ايجابيات الأزمة التي لها بالتأكيد ايجابيات في الوقت نفسه ونقلل من سلبياتها على حياة المواطن المصري البسيط بل والمقتدر أيضا.

وأنهي حديثه بأن الأزمة الحالية لها شقان :

الشق الأول هو السيولة  المالية وهى مرتبطة بأمريكا وانتقت توابعها إلى السوق الأوروبي وأدت إلى هزات في السوق الآسيوي والخليج العربي وتأثرت بها مصر قليلاً .

الشق الثاني هو الركود الاقتصادي الذي يعقب أزمة السيولة المالية خاصةً في الصناعات المعـدنية المتمثلة في الحديد والصلب والذهب والألمونيوم والنحاس والمسابك وتتمثل الأزمة الحقيقية لتلك الصناعات في وقت التصدير، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه، وإغراق الدول المتقدمة لأسواق الدول النامية

0 تعليقات