نيويورك، الولايات المتحدة (CNN)

أعاد التدخل الحكومي الأمريكي في الاقتصاد إثر الأزمة المالية الحالية طرح سؤال جدي حول نموذج الرأسمالية بشكلها الغربي ودور الدول فيها، فبعد الحديث الطويل من قبل كبار المنظرين عن ضرورة حصر دور الدولة في المجال التنظيمي تراكض المستثمرون في وول ستريت لطلب الدعم من الوزارات المعنية لمنع الانهيار الكامل.

وفي حين لم يكتف خبراء بالإشادة بالتدخل الحكومي، بل انتقلوا إلى مرحلة كتابة المقالات لمدح نماذج الاقتصاد المسيّر رسمياً، كما هي الحال عليه في الصين أو دول الخليج، قال آخرون إن الرأسمالية ستخرج من هذه الأزمة كما خرجت من سواها، وستعود الثقة في نهاية المطاف إلى الأسواق، لتظهر بعد ذلك مضار التدخل الحكومي.

ويرى البعض من مؤيدي نظرية التدخل الحكومي، أن نقص الدور الرسمي في الأسواق كان السبب الرئيسي لبدء الأزمة المالية العالمية، مضيفين أنه من الضروري إعادة النظر في أسس النظام الليبرالي الحر.

وكتب جوشوا كيرلنتزيك مشيداً بالنماذج الاقتصادية في الخليج والصين، حيث تسيطر الحكومات على أجزاء واسعة من النظام الاقتصادي، وقال إن تلك النظم: "أثبتت نجاحها حتى قبل الأزمة لدرجة دفعت قادة العالم إلى التساؤل حول ما إذا كان النظام الرأسمالي الديمقراطي هو بالفعل الأجدر بالإتباع."

أما المدونات الاقتصادية الصينية فقد لفتت إلى أن الولايات المتحدة "بدأت تعي الأخطاء الاقتصادية التي ترتكبها (مع ظهور الأزمة المالية) وهي تتعلم من النموذج الاشتراكي الصيني،" وفقاً لما نقلته مجلة "تايم."

وقالت المجلة إن التدخل الحكومي قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان، وذلك كما حدث خلال أزمة الأسواق الآسيوية، حيث كان من المستحيل تقريباً خروج تلك الأسواق من أزمتها دون تدخل رسمي من الحكومات.

كما سبق أن حدث الأمر عينه في أوروبا بعد الكساد الذي أصاب الاقتصاديات فيها إثر الحرب العالمية الثانية، فظهرت كتابات تشير إلى أن نظرية حرية الأسواق تلقت "هزيمة ساحقة" بسبب بروز ضرورة تدخل الحكومات التي اعتمدت نموذجاً من الرأسمالية الموجهة، مع تأميم بريطانيا لعدة قطاعات صناعية أساسية، وظهور برامج "الحماية الاجتماعية."

غير أنها أردفت بالإشارة إلى أن هذا "التضخم" لدور الحكومات يعود ليتضاءل بمجرد انتهاء الأزمات لتعود "روح السوق الحرة" للعمل، وذلك لأن التجارب أثبتت أن الحكومات قادرة على إحداث أضرار في النظم الاقتصادية بمقدار الأضرار التي تحدثها الحرية الرأسمالية.

أما في الدول النامية، فكان الأمر مختلفاً، حيث برز الدور الحكومي في الاقتصاد بسياق "التحرر الوطني،" إذ كان الزعيم الهندي، جواهر لال نهرو، يرى أن الاستعمار هو الوليد الطبيعي للرأسمالية الحرة، ما جعله يعتبر أن الحكومات هي السبيل الوحيد للقضاء على الفقر، ما دفعه لوضع نظام قانوني يقيّد حركة الأسواق.

واستمر تطبيق هذا النظام حتى عام 1990، عندما ظهر أن المؤسسات الرسمية غير قادرة على التنافس، ووصلت البلاد إلى شفير الإفلاس، ما دفع نيودلهي إلى اعتماد نظام السوق الحر، ليحقق نموها بعد ذلك قفزات نوعية.

وكان رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، المحرك الرئيس لهذه الإصلاحات، وقد كتب آنذاك قائلا: "لقد أدركت وجود عدم وضع الكثير من القوانين في القطاع الخاص.. يجب أن نمنح الأشخاص القادرين على توليد الثروة كل التشجيع اللازم."

وخلصت المجلة إلى القول إن تقوية دور الدولة في النظام الاقتصادي الأمريكي لن يصل إلى الدرجة التي وصلت إليها الهند قبل عام 1990، ولكن ما من سبب يدفع نحو عدم الاعتقاد بأن الأزمة المالية الحالية لن تمر - على غرار سائر الأزمات التي عاشتها الرأسمالية - لتستعيد الأسواق قوتها والثقة في ضرورة استمرار تحريرها.

وقد يرى البعض أن دور الدولة ضروري خلال المراحل الصعبة، لكن موقف وزير الخزينة، هنري بولسون، والكثير من أعضاء الكونغرس القاضي بالحذر من توسيع الدور الرسمي، خاصة في خطط الإنقاذ الاقتصادي، يبدو في محله، لأن التدخل الحكومي سينتج في نهاية المطاف أزماته الخاصة

0 تعليقات