الحياة اللندنية  
الثلاثاء 30 سبتمبر 2008

تقريبا 6 تريليونات دولار استثمارات في سندات وأسهم مرهونة بنجاحه...

منح الكونغرس، في بند يتيم موجه مباشرة إلى المستثمرين والممولين غير الأميركيين، الحكومة الفيديرالية، ممثلة بوزارة الخزانة، صلاحية شراء الأصول المتعثرة لدى المؤسسات المالية والمصارف المركزية الأجنبية التي ضخت سيولةً لتمويل مصارف أميركية انهارت أو عجزت عن السداد. بيد أن معايير متشددة تضمنها مشروع قانون خطة إنقاذ «وول ستريت» من أزمته الراهنة، اشترطت ألا تحصل عمليات الشراء إلا بأرخص الأسعار.

وربط مشروع القانون، الذي جاء نتيجة مفاوضات ماراثونية بين قادة السلطات التنفيذية والتشريعية، - ينتظر أن يقره مجلسا النواب والشيوخ في الكونغرس قبل نهاية الأسبوع الجاري، - بين شراء الأصول المتعثرة من مالكيها غير الأميركيين وتكليف وزير الخزانة هنري بولسن التنسيق مع السلطات المالية والمصارف المركزية الأجنبية لإنشاء برامج على شاكلة البرنامج الأميركي لإنقاذ مصارفها المتورطة في أزمة الرهن العقاري.

ولم يقلل تخلي الكونغرس عن المصارف الأجنبية والأصول «الملوثة» في بياناتها المالية، من ضخامة ورطتها، إذ أن مصارف أوروبية وآسيوية أفصحت عن أكثر من نصف الخسائر التي نجمت عن أزمة الرهن العقاري الأميركية وبلغت حصيلتها 565 بليون دولار. لكن في المقابل من المؤكد أن المستثمرين والممولين الأجانب معنيون بنجاح مشروع القانون في تحقيق أغراضه، سيما أن استثماراتهم في سندات المصارف والشركات الأميركية وأسهمها التي تهددها أزمة «وول ستريت»، ناهزت ستة تريليونات دولار نهاية العام الماضي.

ووصف الرئيس جورج بوش مشروع القانون بـ «تشريع للإنقاذ الاقتصادي» وقال في بيان الأحد الماضي: «الحاجة ماسة لهذا التشريع لمعالجة الأزمة التي يعاني منها نظامنا المالي، وتهدد الاقتصاد الأميركي برمته». واتفق قادة مجلس النواب الذين شاركوا في صوغ مسودة القانون، على طرحه تحت عنوان «قانون عاجل للاستقرار الاقتصادي»، وحددوا أغراضه في منح وزير الخزانة الصلاحيات والتسهيلات اللازمة لإعادة السيولة والاستقرار إلى قطاع المال، وحماية مصالح دافعي الضرائب ومستقبلهم وتشجيع النمو الاقتصادي.

ومنح مشروع القانون وزير الخزانة صلاحية تحديد الآليات التي يراها مناسبة لتطبيق خطة الإنقاذ، لكن أخضعه إلى إشراف لجنة عليا تضمه شخصياً إضافة إلى الكونغرس وقادة هيئات الرقابة المالية مثل مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي الأميركي) ومصرف نيويورك الاحتياطي ولجنة الأوراق المالية. ولتمويل ما سَمّاه المشروع «برنامج غوث الأصول المتعثرة»، حصل وزير الخزانة على نصف التمويل الذي اقترحته إدارة بوش في خطتها الأصلية والبالغ 700 بليون دولار، بينما منح الكونغرس حق الاعتراض على النصف الباقي وفقاً لما يستجد من تطورات.

وفتح المشرعون أمام وزير الخزانة، المجال واسعاً لشراء الأصول المتعثرة من المصارف والمؤسسات المالية الأميركية بلا استثناء، شرط خضوعها إلى النظم الرقابية والاحتفاظ أيضاً بهذه الأصول المشتراة إلى موعد الاستحقاق، أو بيعها في الوقت أو الظروف والأسعار التي تحقق فيها أعلى عائد لدافعي الضرائب. وحض الوزير على تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في شراء الأصول المتعثرة والاستثمار في المؤسسات المالية بما يتوافق مع أغراض برنامج غوث الأصول.

وفي محاولة لتهدئة مخاوف دافعي الضرائب، الذين كشفت استطلاعات الرأي مدى شدة معارضتهم لاستخدام أموالهم في إنقاذ «وول ستريت» من أخطائه، ألزم المشرعون وزير الخزانة استخدام الخطة وتحديد شراء أصول الرهون العقارية المتعثرة في مساعدة المواطنين المهددين بالطرد من منازلهم، و «حماية أسعار المنازل وصناديق تمويل الدراسة وحسابات المعاشات والمدخرات الشخصية وتوفير فرص العمل وحفز النمو الاقتصادي».

وشدد المشرّعون في صوغ تشريعٍ، يعتبر، لضخامته وخطورة الأزمة التي يسعى إلى معالجتها، سابقة في تاريخ أميركا، على أن تنفذ عمليات شراء الأصول المتعثرة «بأرخص الأسعار التي يراها وزير الخزانة متوافقة مع أغراض مشروع القانون» واستخدام الأرباح المحققة من برنامج غوث الأصول لخفض الدين العام الذي تطلبت خطة الإنقاذ رفع سقفه إلى 11.315 بليون دولار. وفي حال ظهر قصور في الجدوى الاقتصادية لخطة الإنقاذ بعد خمس سنوات من إطلاقها، قضى مشروع القانون بفرض رسوم على المؤسسات المالية لتعويض خسائر دافعي الضرائب.

وأثارت دعوة الكونغرس إلى تشجيع القطاع الخاص على شراء الأصول الملوثة، ردود فعل مثيرة من مجموعات الاستثمار الخاص، التي يرتبط بعضها بعلاقات قوية مع صناديق الثروات السيادية. وتوقع مسؤول كبير في مجموعة «كارلايل» الأميركية في تصريحات نقلتها «واشنطن بوست» أمس، أن تتحمس مجموعته للمشاركة بقوة في شراء الأصول المتعثرة حال الإفصاح عن آلياتها وشروطها. وتمتلك شركة «مبادلة» الإماراتية (أبو ظبي) حصة بنسبة 7.5 في المئة في مجموعة «كارلايل».

بوش: الخطة تطوّق تمدّد الأزمة

حضّ الرئيس الأميركي جورج بوش أمس، البرلمانيين على «الموافقة سريعاً»، على خطة الإنقاذ المالي البالغة 700 بليون دولار، ساعياً إلى طمأنة الأميركيين وتهدئة الاضطرابات في أسواق المال. واعتبر أنها «تعالج جذور الأزمة المالية وستمنع انتشارها في قطاعات الاقتصاد كلها».وأشاد في بيان مقتضب بالخطة بعدما اتفق المشرعون عليها، ووصفها بأنها «مشروع قانون جريء سيساعد على منع الأزمة التي يشهدها قطاع المال من الانتشار في بقية قطاعات الاقتصاد». وأكد ثقته في أنها، الى جانب إجراءات أخرى اتخذتها وزارة الخزانة ومجلس الاحتياط الفيديرالي، «ستبدأ في استعادة القوة والاستقرار للقطاع المالي الأميركي والاقتصاد عموماً». ولفت إلى أن في إمكان الكونغرس «إرسال إشارة قوية للأسواق هنا وفي الخارج بتمرير الخطة بسرعة».

تحذير من «أخطار الخطة»

يرى محللون ان الخطة الأميركية لإنقاذ القطاع المصرفي التي تعتبر سابقة قد ترسي الاستقرار في أسواق المال لكنها تنطوي على أخطار.

وقال الخبير الاقتصادي في معهد «غلوبال إينسايت» براين بيتون: «ستقدم الخطة دعماً حيوياً حاسماً للنظام المالي الأميركي». وانها بصيغتها المعدلة التي جرت مفاوضات شاقة حولها على مدى تسعة أيام، «تجسد تسوية منطقية تعزز سبل حماية مصالح دافعي الضرائب الأميركيين».

غير ان بعض المحللين يشك في جدوى الخطة ويتخوف من ان تثير مشكلات جديدة في القطاع المالي والاقتصادي.

وقال مسؤول قسم الاستثمارات في معهد «كامبرلاند أدفايزرز» ديفيد كوتوك، انه كان يؤيد الخطة بصيغتها الأصلية غير انه يشكك في صيغتها المعدلة، مشيراً إلى أنها قد تزيد من صعوبة نهوض القطاع المصرفي السليم الذي يحتاج إليه الاقتصاد. وأضاف: «إذا فرضتم كثيراً من التنظيمات والمراقبة والإشراف والكلفة، ستحدون من تطلعات المصارف إلى تحقيق أرباح».

وتوقع المستشار لدى شركة «بيتر كوهان أسوسيتس» بيتر كوهان ان «تتجاوب الأسواق على المدى القريب» مع الخطة، معتبراً ان «رد الفعل الأكثر خطورة كان سيحصل لو لم يتوصل المجتمعون إلى اتفاق». لكنه قال ان الخطة لا تتضمن إجراءات لمعالجة مشكلة التبديل النقدي بين المصارف القائمة حالياً، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الفائدة ما حمل على التشدد في منح القروض».

وأوضح الخبير الاقتصادي في معهد «باركليز كابيتال» إيثن هاريس في مذكرة أصدرها قبل التوصل إلى الاتفاق أول من أمس، ان افضل وسيلة لتثبيت استقرار الأسواق تكمن في برنامج خاطف وكاسح وليس في مقاربة تدريجية. وقال: «الحقيقة المحرجة هي ان نجاح خطة إنقاذ ما، يتطلب المجازفة بأموال دافعي الضرائب.

ان الــمقاربة المجتزأة القاضية بالتعاطي مع انهيار شركات مالية محددة أدى إلى إبطاء تــراجع الثــقة في أسواق المال من دون وقفه».

وحذر بعض المحللين من ان الخطة قد تفسد الأمور اكثر مما قد تصلحها. ووصفها الخبير الاقتصادي في جامعة نيويورك، نوريال روبيني، بأنها «خطة إنقاذ لمصرفيين ومقرضين ومستثمرين متهورين لا تقدم سوى مساعدة مباشرة ضئيلة لتخفيف وطأة الديون على المقترضين والأسر، الذين يواجهون ضغوطاً مالية وستكون كلفتها فادحة على دافعي الضرائب الأميركيين».

0 تعليقات