عد المستثمر العالمي جورج سوروسالأزمة المالية الحالية التي أحدثها انهيار فقاعة الإسكان في أمريكا بمثابة نهايةعصر التوسع الائتماني القائم على الدولار باعتباره عملة نقدية احتياطية دولية، أنهافي الحقيقة العاصفة الأشد عتياً التي يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالميةالثانية.
وقال سوروس في مقال تنشره "الاقتصادية" اليوم إن العالم لم يعد راغبافي تكديس الدولارات وإن الفترة الحالية تمثل نهاية عهد قائم على الدولار كعملةدولية. وتابع "الأسواق المالية تحتاج إلى شرطي أو ملاذ غير الدولار.. وباقي العالمراغب عن تكديس الدولارات".
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
إن الأزمة المالية الحالية التي أحدثها انهيار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدةتُـعَـد أيضاً بمثابة نهاية عصر التوسع الائتماني القائم على الدولار باعتباره عملةنقدية احتياطية دولية. إنها في الحقيقة العاصفة الأشد عتياً التي يشهدها العالم منذنهاية الحرب العالمية الثانية.
ولكي نفهم ماذا يحدث فنحن في حاجة إلى نموذجمعياري جديد. وهذا النموذج متاح في نظرية التلقائية الانعكاسية، التي قدمتها منذ 20عاماً في كتابي "كيمياء المال". وترى هذه النظرية أن أسواق المال لا تميل نحوالتوازن. ذلك أن وجهات النظر المنحازة غير الموضوعية والمفاهيم المغلوطة بينالمشاركين في السوق لا تؤدي إلى حالة من عدم اليقين وانعدام القدرة على التكهنبأسعار السوق فحسب، بل إنها تلقي بظلال من الشك والحيرة على الأساسيات التي يفترضأن تعبر عنها هذه الأسعار. وإذا ما تُـرِكَت الأسواق لآلياتها الخاصة فإنها تميلدوماً إلى بلوغ درجات متطرفة من النشاط أو اليأس.
في الواقع، وبسبب ميل أسواقالمال إلى عدم الاستقرار، فلا يجوز أن تُـترَك للعمل وفقاً لآلياتها وإرادتهاالخاصة؛ فهي تقع تحت مسؤولية السلطات التي تتلخص وظيفتها في الحفاظ على التجاوزاتضمن الحدود بيد أن السلطات ذاتها من البشر وعُرضة لوجهات النظر المنحازة والمفاهيمالمغلوطة. والعلاقة المتبادلة بين أسواق المال والسلطات المالية تتسم أيضاًبالتلقائية الانعكاسية.
إن العمليات المتصلة بتعطل الازدهار الاقتصادي تدور عادةحول الائتمان، وتشتمل دوماً على نوع من الانحياز أو الفهم الخاطئ ـ الإخفاق عادة فيالتعرف على صلة تلقائية غير مباشرة بين الاستعداد للإقراض وقيمة الضمانة الإضافية. وتشكل أزمة الإسكان الأخيرة في الولايات المتحدة نموذجاً مثالياً لهذا.
بيد أنفترة الازدهار الخارقة التي دامت 60 عاماً تشكل حالة أكثر تعقيداً. فكلما تعرضالتوسع الائتماني للمتاعب، كانت السلطات المالية تتدخل، فتضخ السيولة إلى السوقوتبحث عن وسائل أخرى لحفز الاقتصاد. ولقد أدى هذا إلى إيجاد نظام من الحوافز غيرالمتوازنة ـ التي تعرف أيضاً بالخطر الأخلاقي ـ التي شجعت على المزيد والمزيد منالتوسع الائتماني. ولقد كان ذلك النظام ناجحاً إلى الحد الذي جعل الناس يصدقون ماأطلق عليه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان "سحر السوق"، الذي أطلق عليه أنا "أصولية السوق".
يعتقد الأصوليون أن الأسواق تميل نحو التوازن وأن أفضل وسيلةلخدمة المصلحة العامة تتلخص في السماح للمشاركين في السوق بملاحقة مصالحهم الخاصة. وهذا مفهوم خاطئ بشكل واضح، لأن التدخل من جانب السلطات هو الذي منع أسواق المال منالانهيار، وليس الأسواق ذاتها. ورغم ذلك فقد نشأت أصولية السوق باعتبارهاالأيديولوجية المسيطرة طيلة ثمانينيات القرن العشرين، حين بدأت أسواق المال فيالتحول نحو العولمة، وحين بدأ عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة في التراكم. فمنذعام 1980 أصبحت القوانين التنظيمية في استرخاء متزايد إلى أن تلاشت عملياً.
سمحتالعولمة للولايات المتحدة بامتصاص مدخرات بقية العالم والاستهلاك بمعدلات تتجاوزحجم إنتاجها، حتى بلغ عجز حسابها الجاري 6.2 في المائة من ناتجها المحلي الإجماليفي عام 2006. وشجعت أسواق المال المستهلكين على الاقتراض بتقديم أدوات جديدةمتزايدة التعقيد وشروط أكثر سخاءً. ولقد ساعدت السلطات هذه العملية وحرضت عليهابالتدخل كلما تعرض النظام المالي العالمي للخطر. ثم أفلت زمام الازدهار الاقتصاديالخارق حين أصبحت المنتجات المالية الجديدة أكثر تعقيداً من أن تتمكن السلطات منحساب المجازفات المرتبطة بها والمخاطر المترتبة عليها فاضطرت إلى البدء في الاعتمادعلى أساليب إدارة المجازفة التي تنتهجها البنوك ذاتها. وعلى نحو مماثل، اعتمدتالهيئات المسؤولة عن التسعير على المعلومات المقدمة من جانب مبتكري هذه المنتجاتالمالية الاصطناعية. وكان في ذلك إهمال شديد للمسؤولية.
ومن ثم فقد اختل كل ماكان عُـرضة للخلل. وما بدأ بالرهن العقاري الثانوي انتشر إلى كل التزامات الدينالمصاحبة، الأمر الذي عرَّض شركات التأمين العامة وشركات تأمين الرهن العقاريوشركات إعادة التأمين للخطر، وهدد بتفكيك سوق مقايضة التخلف عن سداد ديون الائتمانالتي بلغت عدة تريليونات من الدولارات. وتحولت التزامات بنوك الاستثمار نحو الشركاتالمدعومة المشتراة بالكامل إلى ديون. وتبين أن صناديق المجازفة العالية المحايدةللسوق هي في الواقع ليست محايدة للسوق وبات حلها أمراً واجباً. أما سوق الأوراقالتجارية المعززة بالأصول فقد تجمدت ولم يعد بوسع آليات الاستثمار الخاصة التيابتكرتها البنوك، لإخراج قروض الرهن العقاري من موازناتها، أن تخرج عن نطاقالتمويل.
وكانت الضربة القاضية حين انقطعت قروض الإنتربنك، الذي يحتل مكان القلبمن النظام المالي، بسبب اضطرار البنوك إلى الاقتصاد في مواردها وبعد أن لم يعدبوسعها أن تثق في نظيراتها. واضطرت البنوك المركزية إلى ضخ كميات غير مسبوقة منالمال وتمديد الائتمان ليشمل نطاقاً غير مسبوق من الأوراق المالية لنطاق أوسع منالمؤسسات. وكل هذه عوامل أدت إلى جعل هذه الأزمة أشد حدة من أي أزمة سابقة منذالحرب العالمية الثانية.
والآن بات من المحتم أن يتبع هذا التوسع الائتماني فترةمن الانكماش، لأن بعض أدوات الائتمان والممارسات الجديدة غير سليمة وغير قابلةللاستمرار. فضلاً عن ذلك فقد تقيدت قدرة السلطات المالية على حفز الاقتصاد بسببإحجام بقية العالم عن تكديس المزيد من الاحتياطيات بالدولار.
حتى وقت قريب، كانالمستثمرون يرجون أن يفعل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة كل مايتطلبه الأمر لتجنب الركود، لأنه سبق له أن فعل ذلك في مناسبات سابقة. أما الآن فقدبات لزاماً على المستثمرين أن يدركوا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يعد في موقفيسمح له بذلك. والآن مع استقرار أسعار النفط، والغذاء والسلع الأخرى، ومع تزايدسرعة رفع قيمة عملة الصين بعض الشيء أصبح لزاماً على بنك الاحتياطي الفيدرالي أنيخشى التضخم أيضاً. فإذا ما انخفضت أسعار الفائدة إلى أدنى من نقطة معينة، لوقعالدولار تحت ضغوط متجددة ولارتفعت عائدات السندات طويلة الأجل. إلا أنه من المستحيلأن نعين تلك النقطة بالتحديد، وحين تتجاوز أسعار الفائدة تلك النقطة انخفاضاً فلسوفتتلاشى قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على حفز الاقتصاد.
رغم أن الركود في العالمالمتقدم بات الآن محتماً على نحو أو آخر، إلا أن الصين والهند وبعض الدول المنتجةللنفط تمر بحالة معاكسة تماماً. وهذا يعني أن الأزمة المالية الحالية ليس من المرجحأن تؤدي إلى كساد عالمي، ولن يزيد الأمر عن إعادة ترتيب للاقتصاد العالمي، معانحدار نسبي للولايات المتحدة وارتفاع للصين وغيرها من الدول النامية. والخطرالحقيقي هنا يكمن في أن التوترات السياسية الناجمة عن ذلك التحول، بما في ذلك نزوعالولايات المتحدة إلى الحماية، قد تؤدي إلى إعاقة الاقتصاد العالمي وإغراق العالم في الركود ـ أو ما هو أسوأ من ذلك.

 

mohamedhamed69منقول من احد المنتديات العربية --- كاتب الموضوع الاخ

0 تعليقات